للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو: «كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ العِلْمِ - أَيْ كِتَابَتَهُ - حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءُ فَرَأَيْنَا أَنْ لاَ نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ». اهـ (١).

فانظر كم الفرق بين أن يكون قول الزُّهْرِيِّ كما روى جولدتسيهر: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» وبين أن يكون قوله كَمَا رَوَاهُ المُؤَرِّخُونَ: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ الأَحَادِيثِ» أو كما رواه الخطيب «عَلَى كِتَابَةِ العِلْمِ» ثم انظر إلي هذه الأمانة العلمية حذف «الـ» من «الأحاديث» فقلبت الفضيلة رذيلة .. حيث كان النص الأصلي يدل على أمانة الزُّهْرِي وإخلاصه في نشر العلم، فلم يرض أن يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس إلا أن يبذله للناس جميعاً، فإذا أمانة هذا المستشرق تجعله ينسب للزهري أنه وضع للأمراء أحاديث أكرهوه عليها، فأين هذا من ذاك؟؟.

ذَهَابُهُ لِلْقَصْرِ وَتَحَرُّكُهُ فِي حَاشِيَةِ السُّلْطَانِ:

ثم يقول جولدتسيهر: «ولم يكن الزُّهْرِي من أولئك الذين لا يمكن الاتفاق معهم ولكنه كان مِمَّنْ يرى العمل مع الحكومة، فلم يكن يَتَجَنَّبُ الذهاب إلى القصر، بل كان يتحرك كثيراً في حاشية السلطان».

قدمنا لك أن تردد العلماء على مجالس الخلفاء لا يطعن في أمانتهم ودينهم، ولا يجعلهم صرعى أهواء الخلفاء ونفوذهم، وقدمنا لك أدلة على سمو الصلة التي كانت بين الزُّهْرِيِّ وخلفاء بني أمية، وأنها صلة العالم المعتز بعلمه ودينه ومكانته، العالم الذي لا يتردد عن مجابهة الخليفة في أية لحظة بالحق حين يجد من واجب الحق أن يقف هذا الموقف، وقديماً تردد الصحابة على معاوية، وتردد التابعون على الأُمَوِيِّينَ، وتردد أبو حنيفة على المنصور، وكان أبو يوسف من أشد الناس ملازمة لهارون الرشيد ومع ذلك فلم يطعن فيهم أحد، ولم ينزلهم عن مرتبة العدالة لأنهم خالطوا السلاطين أو جالسوهم.

حَجُّهُ مَعَ الحَجَّاِجِ:

وهذا الذي زعمه «جولدتسيهر» ليزيد في التنفير من الزُّهْرِي والتدليل على


(١) " تقييد العلم ": ص ١٠٧.