أصحابه وتلاميذه: بلغت بضعة عشر مسنداً، مِمَّا يدل على أن قدراً كبيراً من فقهه مأخوذ مِنَ السُنَّةِ، ولا يصح، أن يقال: إن ما صح عنده منها بضعة عشر حَدِيثًا فقط، إذ كيف لم تصح عنده وهو يحتج بها ويفرع عليها؟
أما قول ابن خلدون، فقد ذكره بصيغة التمريض إشارة إلى أنه غير جازم بذاك: وأيضاًً فلا نعلم لابن خلدون سَلَفاً في هذه المقالة، بل نصوص العلماء متضافرة على أنه صح عند أبي حنيفة قدر من الأحاديث كبير، وسنرى ذلك عند البحث عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - في آخر الرسالة بحثاً علمياً دقيقاً في هذا الموضوع.
يقول المؤلف في ص ٢٦٣ متكلماً عن أسباب الوضع: «يخيل إِلَيَّ أن من أهم أسباب الوضع تغالي الناس إذ ذاك في أنهم لا يقبلون من العلم إلا على ما اتصل بالكتاب وَالسُنَّةُ اتصالاً وثيقاً وما عدا ذلك فليس له قيمة كبيرة، فأحكام الحلال والحرام إذا كانت مؤسسة على مجرد الاجتهاد لم يكن لها قيمة ما أسس على الحديث ولا يقرب منه، بل كثير من العلماء في ذلك العصر كان يرفضها ولا يمنحها أية قيمة، بل بعضهم كان يُشَنِّعُ على من ينحو هذا النحو، والحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت من أصل هندي أو يوناني أو فارسي، أو من شروح " التوراة " و" الإنجيل " لم يؤبه له، فحمل ذلك كثيراً من الناس أن يصبغوا هذه الأشياء كلها صبغة دينيه حتى يقبلواعليها، فوجدوا الحديث هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه، فدخلوا منه على الناس ولم يتقوا الله فيما صنعوا، فكان من أثر ذلك أن نرى الحُكْمَ الفِقْهِيَّ المَصْنُوعَ، والحكمة الهندية والفلسفة الزردشية، والموعظة الإسرائيلية والنصرانية» اهـ.
أتفق المُسْلِمُونَ سلفاً وخلفاً - إلا من لا يعتد بهم من أصحاب البدع والأهواء - على أن الكتاب وَالسُنَّةُ أصلان من أصول التشريع الإسلامي، لا يجوز لأحد أن يحكم في القضاء الإسلامي بخلاف ما جاء فيهما، ولا لمجتهد أن يجتهد في مسالة بغير الرجوع إليهما، ثم انقسموا قسمين: قسم يرى الأخذ بظواهر النصوص من غير تعليل ولا توسع في القياس وَهُمْ الظاهرية وأكثر أهل الحديث.