للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحب " فجر الإسلام " - أفرد في " صحيحه " أبواباً متعددة، أثبت فيها ما صح عنده من فضائل المهاجرين والأنصار، وفضائل رجال باسمائهم من الفريقين، كأبي بكر وعمر وعثمان وَعَلِيٍّ وسعد وَأُبَيٌّ ومعاذ وكثير من أعيان الصحابة، كما أثبت أحاديث متعددة في فضائل مكة والمدينة واليمن والشام وغيرها، وأحاديث في فضائل قبائل مختلفة كقريش ومُزينة وجُهينة، ومثل ذلك صح لدى أئمة الحديث كأحمد ومسلم والترمذي وغيرهم، وفي الوقت نفسه بَيَّنُوا الأحاديث الموضوعة في ذلك، وكشفوا حال رُوَاتِهَا، ونقدوها نقداً دقيقاً، وَبَيَّنُوا الباعث على وضعها من رجال وأحوال.

فما الذي دعا مؤلف " فجر الإسلام " إلى أن يتجاهل هذه الحقيقة المعلومة، ويشكك في أحاديث الفضائل كلها؟ إنها - ولا ريب - خِطَّةَ المُسْتَشْرِقِينَ الذين سَمِعْتَ رأيهم في الموضوع فاقتفى الأستاذ أثرهم. والله المستعان.

أَحَادِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ:

ثم قال في [ص ١٦٢] في الباعث الثاني على الوضع وهو الخلافات الكلامية والفقهية: «وكذلك في الفقه فلا تكاد تجد فَرْعًا فقهياً إلا وحديث يؤيد هذا وحديث يؤيد ذاك، حتى مذهب أبي حنيفة الذي يذكر العلماء عنه أنه لم يصح عنده إلا أحاديث قليلة - قال ابن خلدون: «إِنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ» ملئت كتبه بالأحاديث التي لا تعد، وأحيانا بنصوص هي أشبه ما تكون بمتون الفقه ... » إلخ

أما إن الخلافات الفقهية والكلامية كان لها أثر في الوضع فهذا ما لا ننكره. وقد سبق الإشارة إليه عند الكلام على حركة الوضع وأسبابها، وأما الادعاء بان أبا حنيفة لم يصح عنده إلا سبعة عشر حَدِيثًا ونسبة ذلك إلى العلماء فهذا ما أخطا فيه المؤلف جانب الحق وسلك غير سبيل العلماء.

ذلك أن مذهب أبي حنيفة أوسع المذاهب الفقهية تفريعاً واستنباطاً، حتى لقد بلغت المسائل التي أثرت عنه مئات الألوف، وليس من المعقول أن يستنبط أبو حنيفة ذلك من آيات الأحكام القليلة وبضعة عشر حَدِيثًا فقط، فإن قيل: إنه استنبط هذا الفقه من القياس، قلنا: ما جمع من أحاديث أبي حنيفة في "مسانيده " التي رواها عنه