للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تُنْكِرُونَهُ وَلاَ تَعْرِفُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَلاَ تُصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي لاَ أَقُولُ مَا يُنْكَرُ، وَلاَ يُعْرَفُ».

أفاد هذا الحديث وجوب عرض ما ينسب إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المعروف عند المُسْلِمِينَ من حكم الكتاب الكريم فلا تكون السُنَّةُ حُجَّةً.

ومن ذلك: «إِنِّي لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» وفي رواية «لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَىَّ بِشَىْءٍ (*)، فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ». تلك هي خلاصة ما أورده «الدكتور صدقي»، من الشُبَهِ على حُجِّيَّةِ السُنَّةِ، ولا يتردد طالب العلم عن الجزم بتهافتها وضعفها، ولكنا سنورد ما يتبين به ذلك إن شاء الله تعالى.

الجَوَابُ عَلَى الشُبْهَةِ الأُولَى:

إن القرآن الكريم قد حوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة، ونص على بعضها بصراحة، وترك بيان بعضها الآخر لرسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما دام الله قد أرسل رسوله لِيُبَيِّنَ للناس أحكام دينهم، وأوجب عليهم اتباعه، كان بيانه للأحكام بياناً للقرآن، ومن هنا كانت أحكام الشريعة من كتاب وَسُنَّةٍ وما يلحق بهما ويتفرع عنهما من إجماع وقياس أحكاماً من كتاب الله تعالى، إما نصاً وإما دلالةً، فلا منافاة بين حُجِّيَّةِ السُنَّةِ وبين أن القرآن جاء تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ قال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «فَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ دِينِ اللهِ نَازِلَةٌ إِلاَّ وَفِي كِتَابِ اللهِ الدَّلِيلُ عَلَى سَبِيِلِ الهُدَى فِيهَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (١) وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٢) وقال: {وَنَزَّلْنَا


(*) [قارن بما ورد في ص ١٦٤ من هذا الكتاب].
(١) [سورة إبراهيم، الآية: ١].
(٢) [سورة النحل، الآية: ٤٤].