وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب ": «هُوَ الفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ المَدَنِيُّ أَحَدُ الأَئِمَّةِ وَالأَعْلاَمِ، وَعَالِمُ الحِجَازِ وَالشَّامِ». وقال ابن حجر أيضاًً في " التقريب ": «الفَقِيهُ الحَافِظُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَلاَلَتِهِ وَإِتْقَانِهِ». وهكذا تضافرت روايات الأئمة وَالحُفَّاظِ وعلماء الجرح والتعديل على توثيقه وأمانته وجلالة قدره ونبله في أعين المُحَدِّثِينَ.
مَنْ رَوَى عَنْهُ وَخَرَّجَ لَهُ:
روى عنه خلق كثير من أشهرهم: مالك وأبو حنيفة (١) وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز وابن عُيينة والليث بن سعد والأوزاعي وَابْنُ جُرَيْجٍ، وخَرَّجَ له الشيخان البخاري ومسلم، وكُتُبُ " السنن الأربعة "، ومالك في " مُوَطَّئِهِ " والشافعي وأحمد في "مُسْنَدَيْهِمَا "، ولا يخلو مُسْنِدَ مُحَدِّثٍ ولا حافظ من تخريج أحاديث له، بل لا يكاد يخلو باب من أبواب الحديث إلا للزهري فيه حديث أو أثر أو رأي.
رَدُّ الشُبَهِ الوَارِدَةِ عَلَى الزُّهْرِيِّ:
تلك هي مكانة الزُّهْرِي في العلم، وآراء علماء المُسْلِمِينَ فيه، لَمْ يَتَّهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الزُّهْرِيَّ بما لم يقع منه، ولا أُثِرَ عن أحد منهم أي تشكيك في أمانته وثقته ودينه، ولا نعلم في الدنيا أحداً اتَّهَمَ الزُّهْرِيَّ بأمانته وصدقه في الحديث قبل هذا المستشرق اليهودي المتعصب جولدتسيهر، وقد رأيت ما أورده مِنْ شُبَهٍ عليه وها نحن أُولاَءِ نبطلها بفضل الله واحدة بعد أخرى.
صِلَةُ الزُّهْرِيِّ بِالأُمَوِيِّينَ:
يزعم جولدتسيهر أَنَّ صِلَةَ الزُّهْرِيِّ بالأُمَوِيِّينَ هي التي مكنت لهم أن يستغلوه في وضع الأحاديث الموافقه لأهوائهم. ولا ندري كيف تكون الصلة بين رجل كالزُّهْرِيِّ صادق ثبت حُجَّةٌ، وبين خلفاء بني أمية علامة على استغلالهم له، وقديماً كان العلماء يتصلون بالخلفاء والملوك، دُونَ أن يمس هذا أمانتهم في شيء، وعالم مثل الزُّهْرِي، إذا اتصل بهؤلاء الخلفاء أو اتصلوا به، لا سبيل إلى أن يؤثر ذلك
(١) كما في " طبقات المُحَدِّثِين " للسيوطي (مخطوط).