هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجُعَفِيِّ مولاهم، إمام المُحَدِّثِينَ وشيخ حفاظ زمانه على الإطلاق، ولد ببخارى يوم الجمعة ١٣ شوال ١٩٤ هـ وبدأ بحفظ الحديث وهو لا يبلغ العشر سنين، ثم دأب عليه ورحل في طلبه حتى طاف أشهر الأمصار الإسلامية التي عرفت بالحديث وكما قال هو نفسه:«دَخَلْتُ الشَّامَ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةَ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَى البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَقَمْتُ بِالحِجَازِ سِتَّةَ أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كَمْ دَخَلْتُ إِلَى الكُوفَةِ وَبَغْدَادَ مَعَ المُحَدِّثِينَ» وكان لا يسمع بشيخ في الحديث إلا رحل إليه واختبره وسأل عنه وأخذ منه، وكان - آية في الحفظ وقوة الذاكرة والبصر بِعِلَلِ الأسانيد ومتونها، وقصته في بغداد حين امتحنه علماؤها مشهورة تدل على مبلغ حفظه وإمامته في هذا الفن، وقد كافأه الله على صبره وَجَلَدِهِ وَتَحَمُّلِهِ المَشَاقَّ في سبيل السُنَّةِ بإقبال الناس عليه وإشادتهم بذكره وفضله، قال محمود بن الناظر بن سهل الشافعي:«دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ، وَالحِجَازَ وَالكُوفَةَ. وَرَأَيْتُ عُلَمَاءَهَا، كُلَّمَا جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٍ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيَّ فَضَّلُوهُ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ»، وكان قد سمع مَرَّةً شيخه إسحاق بن رَاهُوَيْهْ يقول لتلاميذه:«لَوْ جَمَعْتُمْ كِتَابًا مُخْتَصَرًا لِصَحِيحِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟» قال البخاري: «فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِي فَأَخَذْتُ فِي جَمْعِ الجَامِعِ الصَّحِيحِ» وقد أمضى في جمعه وتمحيصه وتأليفه سِتَةَ عَشَرَ عَامًا، وما وضع فيه حَدِيثًا إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين، ثم يستخير الله تعالى في وضعه، ولم يخرج فيه إلا ما صح عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسند المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط وَاللُّقْيَا، ولم يكن اكتفى بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ، بل لا بد من ثبوت سماعه منه ولقياه له، وبهذا كان أول كتاب في السُنَّةِ على هذه الشروط الدقيقة، تَجَرَّدَ من الأحاديث الضعيفة والحسنة، واقتصر على الأحاديث الصحيحة