للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وُجُوبُ طَاعَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ:

وكما وجب على الصحابة بأمر الله في القرآن اتِّبَاعَ الرسول وطاعته في حياته، وجب عليهم وعلى من بعدهم من المُسْلِمِينَ اتِّبَاعَ سُنَّتِهِ بعد وفاته، لأن النصوص التي أوجبت طاعته عامة لم تقيد ذلك بزمن حياته، ولا بصحابته دُونَ غيرهم، ولأن العلة جامعة بينهم وبين من بعدهم، وهي أنهم أَتْبَاعٌ لرسول أمر اللهُ بِاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ، ولأن العلة أيضاً جامعة بين حياته ووفاته، إذ كان قوله وَحُكْمُهُ وفعله ناشئاً عن مُشَرِّعٍ معصوم أمر الله بامتثال أمره، فلا يختلف الحال بين أن يكون حَيًّا أو بعد وفاته، وقد أرشد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وجوب اتباع سُنَّتِهِ حيث يغيب المسلم عنه حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن. فقال له: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِيِ وَلاَ آلُو، فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَىَ صَدْرِهِ، وَقَالَ: «الحَمْدُ للهِ الذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ» وأخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والدارمي، والبيهقي في " المدخل "، وابن سعد في " الطبقات "، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله "».

كما حَثَّ على وجوب العمل بِسُنَّتِهِ بعد وفاته في أحاديث كثيرة جِدًّا بلغت حد التواتر المعنوي، منها ما رواه الحاكم وابن عبد البر عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي» (١) وأخرجه أيضاً البيهقي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى» قالوا


(١) " جامع بيان العلم ": ٢/ ٢٤.