إنني لم أجد مسوغاً «لأَبِي رَيَّةَ» في تلك النظرة الوقحة المخزية التي جاهر بها في نظرته إلى فقر أبي هريرة وجوعه وقلة ذات يده.
لقد كان بلال مُؤَذِّنُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الذي صعد على ظهر الكعبة يوم فتح مكة فوق رؤوس سادة قريش وكبرائها ليعلن كلمة الإسلام، وكان عمر يقدم صهيباً وبلالاً وأمثالهما من الضعفاء على كبراء القوم حين يستأذنون في الدخول عليه.
ومن المعلوم أن الذين آمنوا برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في أول الأمر واستمر ذلك سنوات كان أكثرهم من الضعفاء والفقراء والأرقاء، فهل كان ذلك يضيرهم شيئاً عند رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أم هل كان ذلك يضيرهم شيئاً في تاريخ الدعوة الإسلامية وكفاحهم في سبيل الله؟.
أو لم يسجل تاريخ الإسلام لهؤلاء الضعفاء الفقراء الأرقاء المهينين في نظر كفار قريش وأمثال «أَبِي رَيَّةَ» أروع صفحات الخلود والمجد والإخلاص للحق والتفاني في سبيل الله ونشر دينه؟ فأين يبلغ من مكانتهم أو قريباً من مكانتهم من كان يُسَمِّيهِمْ كفار قريش وأمثال «أَبِي رَيَّةَ» بالأغنياء والشرفاء والوجهاء؟!
ثم إن هذا القياس الذي استعمله أَبُو رَيَّةَ في حق أبي هريرة ألا ينقلب على «أَبِي رَيَّةَ» نفسه، فيجوز لقائل أن يزدري به ويمتهنه ويحط من شأنه لأنه - على ما نعلم - من الفقراء وليس من الأغنياء، وليست له منبهة في قومه ولا شرف ولا مكانة!.
قَدَّمْنَا أن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أسلم سَنَةَ سبع من الهجرة في غزوة خيبر ونزيد الآن أننا نُرَجِّحُ أنه أسلم قبل هذا التاريخ بزمن طويل، ولكن هجرته إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كانت في تلك السَنَةِ، وإنما رَجَّحْنَا ذلك لدليلين:
الأول - ما ذكره ابن حجر في " الإصابة " من ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي أنه أسلم قبل الهجرة ولما عاد بعد إسلامه إلى قومه - رهط أبي هريرة - دعاهم