للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي شيء يجرح دين أبي هريرة وعدالته وكرامته في هذه الحادثة؟ أي معصية ارتكبها أبو هريرة هنا حتى يشنع عليه أَبُو رَيَّةَ فيها؟ لعل كل جريمة أبي هريرة فيها أنه كان خفيف الروح حلو الدعابة مِمَّا لم ينسجم فيه مع أَبِي رَيَّةَ روحاً ودعابة! ولله في خلقه شؤون!

هذا وقد أخرج الإمام أحمد في " مسنده " أن أبا ذر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قد وقعت له مثل هذه الحادثة تماماً، وأخشى أن يتحول أَبُو رَيَّةَ بعد أطلاعه على هذا فَيَشْتُمَ أبا ذر - كما شتم أبا هريرة! ..

١٠ - ثم نقل أَبُو رَيَّةَ عن " خاص الخاص " للثعالبي قول أبي هريرة: «ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخبز وما رأيت فارساً أحسن من زبد على تمر» (١).

لنفرض أن الثعالبي حُجَّةٌ فيما يروي، ولنفرض أنه روى هذا الخبر بسند صحيح، متصل إلى أبي هريرة، فاي شيء يجرح أبا هريرة في هذا؟ وأي شيء يغض من قدره عند العقلاء والفضلاء؟ إنه دعابة من دعاباته، ومرح لطيف من مرحه الذي اعتاده، ولعمري لو سمعت إنساناً - مهما بلغ في علو الشأن - يقول هذا لاستحسنته وطربت له، فيا شيخ أَبُو رَيَّةَ إذا كان الله قد أنعم على انسان بخفة الدم، وحلاوة العبارة، وجمال النكتة، لماذا لا يتضايق منه إلا الثقلاء؟!.

١١ - ثم نقل عن العسجدي كلاماً في حق أبي هريرة بمناسبة الحديث المنسوب إليه «زُرْ غباً تزدَدْ حُبّاً»، ما تجد الرد عليه فيما تكلمنا عنه حول هذا الحديث ومن العسجدي وأمثاله حتى يحتج بهم على أبي هريرة وتقبل شهادتهم فيه؟!

سَابِعًا: مُزَاحُهُ وَهَذَرُهُ:

زعم أَبُو رَيَّةَ أن المُؤَرِّخِينَ أجمعوا على أن أبا هريرة كان رجلاً مزاحاً مهذاراً، ثم شرح معنى الهذر بأنه الكلام الكثير الرديء الساقط.

أما دعواه الإجماع بأنه كان مهذاراً، فهذا افتراء على الله وعلى أبي هريرة وعلى المُؤَرِّخِينَ والتاريخ.


(١) ص: ١٥٨.