في الأثر «ذُو الوَجْهَيْنِ لاَ يَكُونُ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا»(١) ولن يكون عند الذين يحترمون أنفسهم وَجِيهًا ..
والقعيدة التي ندين الله بها أن أبا هريرة كان مُحبًّا لآل بيت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - روى في فضائل الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ أكثر من حديث، واصطدم مع مروان بن الحكم في المدينة يوم أراد المُسْلِمُونَ دفن الحسن مع جده رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبذلك كانت بينهما وحشة استمرت إلى قرب وفاة أبي هريرة كما يعلم مِمَّا ذكرناه في هذا الكتاب وكان أبو هريرة مِمَّنْ نصر عثمان يوم الدار كما نصره عَلِيٌّ وابنه الحَسَنَ وَالحُسَيْنُ، ولكنه مع هذا كان منصرفاً إلى بث السُنَّةِ وخدمة العلم، أبى أن يخوض الفتنة التي وقعت بين عَلِيٌّ ومعاوية كما أبى أن يخوضها عدد من كبار الصحابة، ضناً منهم بأن يشاركوا في سفك دماء المُسْلِمِينَ واجْتِهَادًا منهم بأن الحياد بين الفريقين أرضى لله وأبرأ للذمة. هذا هو موقف أبي هريرة وما عدا ذلك فَدَسٌّ وَافْتِرَاءٌ وَتَعَصُّبٌ كان يمليه الهوى والشعوبية فيما مضى، فأصبح يمليه النفاق والجهل وسوء العقيدة الآن.
يتضح لنا مِمَّا ذكرناه في هذا الفصل عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من النصوص الثابتة عند أئمة الحديث وثقات المُؤَرِّخِينَ الحقائق التالية:
أولاً - أنه كان أكثر صحابي روى الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه منذ أسلم وصحب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِيَ بحفظ حديثه وتتبع أخباره التي كانت قبل هجرته إليه، وما زال يتتبع حديثه من أقرانه من الصحابة حتى أحاط بثروة من الحديت لم تجتمع لصحابي قط.
ومع ما أثارت بعض أحاديثه من «استغراب» بعض الصحابة الذين لم يطلعوا
(١) هكذا يشتهر على الألسنة، وقد ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " بلفظ: (ذُو الوَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَهُ وَجْهَانِ مِنْ نَارٍ) ثم رمز له السيوطي بعلامة الحَسَنِ وَتَعَقَّبَهُ المناوي بأنه ضعيف.