ننتقل بعد ذلك إلى القسم الأخير من نقدنا لفصل الحديث في " فجر الإسلام ". وهو متعلق بأبي هريرة، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأشهد أن المؤلف كان لَبِقاً جِدًّا في توجبه المطاعن نحو أبي هريرة، ومجاراة المُسْتَشْرِقِينَ وَالنَظَّامِ، في التحامل على هذا الصحابي الجليل. فقد وزع طعونه في مواضع متفرقة من بحثه، وكان حديثه عنه حديث محترس متلطف، محاذر أن يجهر بما بعتقده في حقه من سوء، ولكن أسلوب المؤلف، وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي هريرة، وحرصه على الشكيك في صدقه، ونقل شك الصحابة في هذا الصحابي الجليل، كل ذلك قد نَمَّ عن سريرة مؤلف " فجر الإسلام "، وأزاح عن خبيئة نفسه.
وقد رأيت من المناسب أن أذكر ترجمة مختصرة لأبي هريرة - قبل التعرض لمناقشة المؤلف فيما كتبه عنه - لتعرف رأي التاريخ الصادق، ورأي صحابة الرسول، وعلماء التَّابِعِينَ، وأئمة المُسْلِمِينَ في هذا الشيخ الصحابي الجليل، ثم لتقارن بعد ذلك بين هذه الصورة الرائعة المشرقة، وبين الصورة التي أظهره بها مؤلف " فجر الإسلام " تبعاً لشيوخه من المُسْتَشْرِقِينَ.
اسْمُهُ وَكُنْيَِتُهُ (١):
اختلف في اسمه، واسم أبيه على أقوال كثيرة أبلغها القطب الحلبي إلى أربعة وأربعين قولاً أرجعها الحافظ ابن حجر إلى ثلاثة أقوال. ومن أشهرها أنه كان في الجاهلية يُسَمَّى عبد شمس بن صخر، فلما أسلم سَمَّاهُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عبد الرحمن، وهو من قبيلة دَوْسٍ إحدى قبائل اليمن، وأمه أميمة بنت صفيح بن الحارث دوسية أيضاًً.