للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض المجلات الأسبوعية الأدبية (١) ما يفيد تَأَلُّمَهُ مِمَّا حصل لصاحبه، واعتبار ذلك محاربة لحرية الرأي وحجر عثرة في سبيل البحوث العِلْمِيَّةِ. ولما ثار النقاش في الأزهر حول الإمام الزُّهْرِي عام ١٣٦٠ هـ قال الأستاذ أحمدأمين للدكتور علي حسن عبد القادر وهو الذي أثيرت الضجة حوله: «إِنَّ الأزهر لاَ يقبل الأراء العِلْمِيَّةَ الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبًا من أقوال المُسْتَشْرِقِينَ ألاَّ تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريِّين على أنها بحث منك، وألبسها ثوبًا رقيقًا لا يزعجهم مسها، كما فعلتُ أنا في " فجر الإسلام " و" ضُحَاهُ " هذا ما سمعته من الدكتور علي حسن يؤمئذٍ نقلاً عن الأستاذ أحمد أمين، فإذا نقدنا آراءه وَبَيَنَّا ما فيها من تشكيك بِالسُنَّةِ وتحريف للحقائق الإسلامية، فلن نكون مِمَّنْ يَتَصَيَّدُونَ التُّهَمَ لإيقاع بريء في شباك الجريمة، بل مِمَّنْ يجمعون الأدلة للتحقيق مع مُتَّهَمٍ أحيط بالشبهات، ونسبت إليه أقوال في التهمة المنسوبة إليه .. على ضوء هذه الحقيقة سيكون نقدي لما جاء في " فجر الإسلام " عَنْ السُنَّةِ وتاريخها، وقد كنتُ نشرت في هذا العنى أبحاثًا مستفيضة في حياة الأستاذ أحمد أمين، واطلع عليها واعترف بأنها أول نقد علمي لكتابه " فجر الإسلام " (٢).

هَلْ بَدَأَ الوَضْعُ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ؟:

قال صاحب " فجر الإسلام " ص ٢٥٨ متكلمًا عن نشأة الوضع: «ويظهر أََنَّ هذا الوضع حدث في عهد الرسول، فحديث: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» يغلب على الظن أنه إنما قيل لحادثة زُوِّرَ فيها على الرسول» وهذا الذي استظهره لا سَنَدَ له في التاريخ الثابت، ولا في سبب الحديث المذكور كما جاء في الكتب المعتمدة.

أما التاريخ، فقاطع بأنه لم يقع في حياة الرسول أَنَّ أحدًَا مِمَّنْ أسلم وَصَحِبَهُ زَوَّرَ عليه كلاماً ورواه على أنه حديثه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ولو وقع مثل هذا


(١) هي " مجلة الرسالة ".
(٢) أخبرنى بذلك العالم الباحث الدكتور علي عبد الواحد وافي في إحدى مجالسنا بدار مجلة " الفتح " للأستاذ الكبير محب الدين الخطيب.