للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَانِيًا - نَشْأَتُهُ وَأَصْلُهُ:

يقول أَبُو رَيَّةَ (١): «وإذا كانوا قد اختلفوا في اسم أبي هريرة. فإنهم كذلك لم يعرفوا شيئاً عن نشأته ولا عن تاريخه قبل إسلامه غير ما ذكره هو عن نفسه من أنه كان يلعب بِهِرَّةٍ صغيرة وأنه كان فقيراً مُعْدَمًا يخدم الناس بطعام بطنه، وكل ما يعرف عن أصله أنه من عشيرة سليم بن فهم من قبيلة أزد ثم من دوس».

ما كنا نظن إنساناً يحترم نفسه وَيَدَّعِي العلم والمعرفة يَهْوِي إلى مثل هذا القرار في تجريح صحابي مشهور - لَمْ تَخْفَ شهرته على معاصريه ولا على الأجيال المتعاقبة من بعده - وبمثل هذا الكلام الذي نقلناه عنه، والجواب ما يلي:

١ - إنه من قبيلة دوس وهي قبيلة معروفة ذات شرف ومكانة في القبائل العربية.

٢ - إن جمهور الصحابة إلا عدداً منهم لا يتجاوز العشرات لم يُعْرَفْ شيءٌ عنهم في جاهليتهم قبل الإسلام. فلقد كان العرب كلهم مغمورين في جاهليتهم، محصورين في جزيرتهم، لا يهتمون بشؤون العالم، ولا يهتم العالم بشؤونهم إلا ما يتصل بالتجارة التي كانت تمر قوافلها ببلادهم، فلما جاء الإسلام وشرفهم الله بحمل رسالته أصبح لكل واحد منهم تاريخ يكتب، وشؤون يتحدث عنها، وَرُوَاةٌ يتتبعون أخبارهم، وتلاميذ ينقلون عنهم العلم والهداية، فهل كان شأن أبي هريرة في هذا يختلف عن شأن جمهور الصحابة؟ ولماذا كانت جهالة تاريخه في الجاهلية تضر بمكانته وتحط من شأنه في الإسلام، وأين يجد «أَبُو رَيَّةَ» في كتاب الله أن الذي لايعرف تاريخه قبل الإسلام يجب الحط من شأنه والانتقاص من مكانتة، والشك فيما يروي من أحاديث رسول الله؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

٣ - ولو أردنا أن نسأل «أَبَا رَيَّةَ» عن تاريخ اَلاف من الصحابة الذين بلغوا في حَجَّةِ الوداع مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وأربعة عشر ألفًا كما


(١) ص ١٥٣.