للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الوَلِيدِ الأُمَوِيِّ:

زعم جولدتسيهر أن إبراهيم بن الوليد الأموي جاء إلى الزُّهْرِيِّ بصحيفة، وطلب منه أن يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منه، فأجازه الزُّهْرِي مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، وقال له: «من يستطيع أن يجيزك بها؟» وهكذا استطاع الأموي أن يروي ما كتب في الصحيفة على أنها مروية عن الزُّهْرِي، وهنا أخطاء ومُغالطات:

أَوَلاًً - إن ابن عساكر صَرَّحَ بسماع إبراهيم من الزُّهْرِيِّ فيكون إبراهيم قد عرض على شيخه صحيفة سمعها منه، وهذا يُسَمَّى في اصطلاح المُحَدِّثِينَ (عَرْضَ المُنَاوَلَةِ) قال الشيخ ابن الصلاح في " مقدمته ": «القسم الرابع من أنواع تحمل الحديث (المُنَاوَلَةُ) فإن كان معها إجازة مثل أن يناول الشيخ الطالب كتاباً من سماعه ويقول: إروِ هذا عني، أو يأتيه الطالب بكتاب قد سمعه من الشيخ فيتأمله الشيخ، ثم يقول له: إروِ عني هذا، ويسمى هذا (عَرْضَ المُنَاوَلَةِ) وقد قال الحاكم: إن هذا سماع عند كثير من المُتَقَدِّمِينَ، وحكوه عن مالك والزُّهْرِي وربيعة ويحيى بن سعيد ومجاهد وسفيان ... إلخ» (١). وقال أيوب: «كُنَّا نَعْرِضُ العِلْمَ عَلَى الزُّهْرِيِّ»، وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: «أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ بِكِتَابٍ فَتَأَمَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَجْزِيكَ بِهِ»، ومثله أخبر به كثير من تلاميذ الزُّهْرِيِّ كانوا يعرضون عليه أحاديثه التي سمعوها منه فيتأملها ويجيزهم بها، وما صنع إبراهيم بن الوليد - إن صحت الرواية - إنما هو من هذا القبيل حتماً، يؤكده تصريحه بالعرض كما في رواية ابن عساكر والعرض - كما رأيت - إعطاء الشيخ الكتاب ليتأمله، ثم يجيزه. أما أن يكون إبراهيم دَوَّنَ أحاديث من عنده، ثم طلب من الزُّهْرِي أن يسمح له بروايتها عنه ووافقه الزُّهْرِيُّ على ذلك، فهذا ما يستحيل صدوره من رجل كَالزُّهْرِيِّ كان ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية، وما ذاع صيته إلا بأمانته وصدقه وضبطه.

ثَانِياًً - إن قول الزُّهْرِي: «مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُجِيزَكَ بِهَا؟» أصله كما نقل ابن عساكر: «وَمَنْ يُجِيزُكَ بِهَا غَيْرِي؟» وليس في هذا شيء، فَغَيْرُ الزُّهْرِيِّ لا يستطيع أن يجيز تلاميذ الزُّهْرِيِّ كإبراهيم بأحاديث لم يسمعوها إلا من شيخهم على أنه


(١) " مقدمة ابن الصلاح ": ص ٧٩ و" اختصار علوم الحديث ": ص ١٤١.