أهل المغرب - ولكن تقوى المتأخرين (كذا كذا) هي التي جعلتهم يدخلونه أحياناً في الكتب الصحاح، ثم أكد أنه ليس كتاب حديث بالمعنى الصحيح، إذ ليس غرضه الإتيان بالأحاديث الصحيحة فحسب، بل غرضه النظر في الفقه والقانون والعادة والعمل حسب الإجماع المدني المعترف به، ولهذا يذكر فيه فتاوى لأئمة معتبرين في مسألة موجودة ليستنتج رأيه الموافق لها، ولو كان مُحَدِّثًا لأخبرنا في ذلك بحديث لا فتوى. ثم يقول بعد بحث طويل:«وَمِنْ هُنَا نَرَى أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا لِلْحَدِيثِ بَلْ كَانَ - زِيَادَةً عَلَىَ ذَلِكَ - شَارِحًا لِلأَحَادِيثِ مِنْ وِجْهَةِ النَّظَرِ العَمَلِيَّةِ» ثم يقول - بعد أن ذكر أخذ مالك الرأي أحياناً -: «فَمِنْ هَذَا نَرَى أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ مُحَدِّثًا، وَأَنَّ الحَدِيثَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ المُعْتَمَدُ الوَحِيدُ لَدَيْهِ، بِدَلِيلِ اتِّخَاذِهِ العَمَلَ المَدَنِيَّ حُجَّةً، عَلَى أَنََّّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَدِّثًا حَقِيقِيًّا فَقَدْ أَعْطَى لِلْمُحَدِّثِينَ فَائِدَةً كَبِيرَةً، وَأَمَدَّ النَّقْدَ التَّارِيخِيَّ بِأَدَاةٍ ثَمِينَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ الإِسْنَادُ عِنْدَهُ أَمْرًا ضَرُورِيًّا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي " المُوَطَّأِ " مِنَ المَرَاسِيلِ». اهـ.
ويتلخص مِمَّا ذكرناه مختصراً، وذكره مطولاً في كتابه، أمران:
الأول: أَنَّ مالكاً لم يكن مُحَدِّثاً.
والثاني: أَنَّ " المُوَطَّأَ " ليس كتاب حديث بل كتاب فقه.
جَوَابُ الشُّبْهَةِ:
١ - أما أن مالكاً لم يكن مُحَدِّثاً فهذا تَجَنٍّ، على الحق ومخالفة لما يعرفه العلماء جميعاً، فقد كان مالك من كبار المُحَدِّثِينَ في عصره، وكانت مجالسه للتحديث معروفة مشهورة، وكانوا يقصدونه من مختلف البقاع لأخذ حديثه، ولا ينازع في هذا إلا مكابر.
ولقد كان - مع حديثه وإمامته في الحديث - فقيهاً من أئمة الفقهاء، فلم يكن مِمَّنْ يجلس للتحديث فقط دُونَ أن يتكلم في فقه الحديث، أو تكون له آراء في المسائل الاجتهادية، أي أنه لم يكن كيحيى بن معين والأعمش مثلاً، وكذلك كان فقهاء التَّابِعِينَ يجمعون - غالباً - بين الحديث والفقه، فالاستدلال بأنه كان يستعمل رأيه فيما ليس فيه نص على أنه لم يكن مُحَدِّثاً بل كان فقيهاً، تجاهل لميول