كان يمشي ذلك الفتى الذي خسف به؟ ثم ضرب بيده فعثر عثرة كاد يتكسر منها. فقال أبوهريرة: للمنخرين وللفم: «{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}»(١). فتكون هذه كرامة من الله لأبي هريرة إذ انتقم له من هذا الفتى الماجن العابث!
ثالثاً - إن تهكم فتى عابث برجل من حملة العلم، أمر يقع في كل زمان، وقد وقع للعلماء والصالحين والأنبياء - كما قص الله علينا في كتابه الكريم - فمتى كان مثل هذا التهكم من السفهاء بالأنبياء دليلاً على مهانتهم وحقارتهم؟ وحاشاهم من ذاك.
رابعاً - إن هذه الحادثة حادثة فردية لم يعثر «أَبُو رَيَّةَ» على مثيل لها، ولو عثر لما قَصَّرَ في إثباتها، فكيف جاز له أن يعمِّمَ فيقول:«ولقد كانوا يتهكمون ... الخ» إن لفظ «كَانُوا» يدل على الأمر الشائع التكرر في الجماعة ولا يطلق إلا على ذلك، فهل تدل هذه الحادثة التي وقعت من فتى ماجنٍ على أن الصحابة والتَّابِعِينَ وهم حملة العلم والدين في عصر أبي هريرة «كَانُوا» يتهكمون بروايات أبي هريرة؟؟
ها هنا يفتضح «أَبُو رَيَّةَ» مَرَّةً أخرى عن رجل صاحب هوى يفتش عن شبهة يعلق بها ليؤكد باطله، لا عن «بَاحِثٍ» علمي يسعى وراء الحقيقة بكل تجرد وإخلاص.
إن المرء حيث يضع نفسه، وقد شاء «أَبُو رَيَّةَ»، بهذا «التحقيق العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل على منواله!» أن يضع نفسه مع الكَذَّابِينَ وَالمُفْتَرِينَ من أهل الريب والأهواء، فليكن له ما أراد ... أما أبو هريرة فقد بَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا رماه به هذا المُحَقِّقُ العلمي الذي لم يسبقه أحد إلى هذا التحقيق! ..
تَاسِعًا - كَثْرَةُ أَحَادِيثِهِ:
انتقد أَبُو رَيَّةَ على أبي هريرة كثرة أحاديثه التي بلغت على ما جاء في " مسند بقي بن مخلد " ٥٣٧٤ - مع أن طرقها إلى أبي هريرة ليس كلها محل التسليم عند علماء الحديث - واستغرب ذلك أَبُو رَيَّةَ مع أن أبا هريرة لم يصحب النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ثلاث سنين.