ذكر بعض المُحَقِّقِينَ، هل لهؤلاء تاريخ يعرف قبل الإسلام إلا عشرة أو عشرين، وكل تاريخهم الذي يعرف عنهم لايتجاوز سطراً أو سَطرين. أفيكون مَنْ عَدَا هؤلاء العشرين مجروحين عند أَبِي رَيَّةَ محتقرين لا قيمة لهم ولا شأن؟ أهذا هو التحقيق العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل على منواله كما ادَّعَى أَبُو رَيَّةَ لنفسه؟.
ثَالِثًا - أُمِّيَّتُهُ:
ويقول أَبُو رَيَّةَ عنه (١): «ولقد كان أُميّاً لا يقرأ ولا يكتب». لم تكن أمية الصحابي مجالاً للطعن في صدقه في عصر من عصور الإسلام حتى جاء أَبُو رَيَّةَ، فَعَدَّ ذلك من جملة المطاعن فيه. على أن الأمية هي الصفة الغالبة على العرب الذين بُعِثَ فيهم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن المعلوم إنه لم يكن في مكة - حين بعثة الرسول - من يعرف القراءة والكتابة إلا نفراً يعدون بالأصابع وبذلك يكون جمهور الصحابة الذين بلغوا مائة وأربعة عشر ألفاً - كما أسلفنا - أُمِيِّينَ لا يقرؤون ولا يكتبون، فما سِرُّ تخصيص أبي هريرة بالإشارة إلى أميته؟ هل ذلك للتشكيك في صحة ما يرويه من الأحاديث من حفظه دُونَ كتابه؟ لقد قدمنا أن الصحابة جميعاً لم يكونوا يكتبون حديث الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فهل يريد أن يطعن أَبُو رَيَّةَ بكل ما رواه الصحابة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنهم كانوا أُمِيِّينَ لايقرؤون ولا يكتبون؟ لا أدري إن كان هذا مِمَّا يؤدي إليه التحقيق العلمي الذي لم ينسج على منواله أحد!.
رَابِعًا - فَقْرُهُ:
لقد حرص «أَبُو رَيَّةَ» في أكثر من موضع من بحثه عن أبي هريرة أن يظهر احتقاره لأبي هريرة وتشهيره به لأنه كان فقيراً معدماً لا يملك شيئاً، ولأنه كان يلازم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحفظ حديثه ويتعلم هدايته على أن ينال مع ذلك ما يشبع بطنه، وقد كَرَّرَ القول بأنه كان مهيناً في قبيلته، وأنه لم يكن من أشراف العرب ولا رؤسائهم المعروفين ... ومن أجل هذا كله استحق «أبو هريرة» عند «أَبِي رَيَّةَ» الهوان والاحتقار!.