للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأنت ترى أن الذين تكلموا في الصحابة إنما هم أصحاب الفرق المعروفة بميولها السياسية لبعض الصحابة دُونَ بعض، لا من النُقَّادِ الذين وصفهم المؤلف بقوله: «جماعة من العلماء الصادقين، نهضوا لتنقية الحديث مِمَّا أَلَمَّ به، وتمييز جَيِّدِهِ مِنْ رَدِيئِهِ» وزعم المؤلف ثَالِثاًً: أن هذا التعديل كان من أكثر نُقَّادِ الحديث وخاصة المتأخرين منهم، مع أنه لم يُؤْثَرْ عن أحد من المُتَقَدِّمِينَ من أهل العلم من التَّابِعِينَ، فمن بعدهم أنه طعن في صحابي أو ترك الحديث عنه، والغريب أن المؤلف استشهد بعبارة الغزالي في هذا المقام، وعبارته صريحة في أن السلف مُجْمِعُونَ على تعديل الصحابة، وذلك هو قوله: «وَاَلَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ، وَجَمَاهِيرُ الْخَلَفِ» (*) أفلا ترى هذا رداً واضحاً على ما زعمه المؤلف من أن المتأخرين هم أكثر من المُتَقَدِّمِينَ تعديلاً للصحابة؟

هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يكذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟:

ولم يكتف المؤلف بهذا، بل زاد على ذلك زعماً آخر، تأكيداً لما رمى إليه من التهوين بشأن الصحابة، وذلك أنه قال بعد ما تقدم (١): «ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضاً موضع النقد، وينزلون بعضاً منزلة أسمى من بعض». إلخ، يريد بذلك أن يعترض على موقف (أكثر) النُقَّادِ من عدالة الصحابة، وَيُبَيِّنُ ألاََّّ مجال لهذا التعديل على الإطلاق، فقد كان الصحابة يشك بعضهم في صدق بعض، وَضَعَ بعضهم بعضاً موضع النقد، ودلل على ذلك بثلاثة أمور:

١ - ما نقله من نقد ابن عباس، وعائشة لأبي هريرة.

٢ - ما سبق أن ذكره من أن بعض الصحابة كان إذا رُويَ له حديث طلب من المُحَدِّثِ دليلاً على صدقه.

٣ - ما حصل بين عمر وفاطمة بنت قيس.

وإليك ما يرد استدلاله بهذه الأدلة الثلاثة، ويجعل دعواه عرجاء لا سند لها من التاريخ.


(١) ص ٢٦٥.