أما أن الصحابة كان يشك في صدق بعض فهذه دعوى لا برهان لها إلا في كتب الروافض من غُلاَةِ الشِيعَة الذين نقلوا عن عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - تكذيبه لمن خالفه من الصحابة وسبه لهم، وإطلاق لسانه فيهم، ولكن النقل الصحيح والتاريخ النزيه عن أهواء ذوي الغايات، يثبت ببيان لا غموض فيه أن الصحابة كانوا أبعد الناس عن أَنْ يَسُبَّ بعضهم بعضاً، أو يشك بعضهم في صدق بعض والأدلة على هذا متوافرة جِدًّا، فقد كان الصحابي إذا سمع من صحابي آخر حَدِيثًا صَدَّقَ به ولم يخالجه الشك في صدقه، وأسنده إلى الرسول كما لو كان سمعه بنفسه. وقدمنا لك القول عن مرسل الصحابي، وذكرنا لك قول أنس:«لَمْ يَكُنْ يُكَذِّبُ بَعْضُنَا بَعْضًا» وقول البراء: «مَا كُلُّ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُهُ عَنْهُ» مِمَّا يدلك على ثقة الصحابة بعضهم ببعض، ثقة لا يشوبها شك ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام، وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين.
١ - وأما ما نقله من رَدِّ عائشة وابن عباس على أبي هريرة فنرجىء الحديث فيه إلى الكلام عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
٢ - وأما طلب بعض الصحابة دليلاً على صدق الحديث، فهو يشير بذلك إلى ما سبق أن ذكرناه في بحث موقف الصحابة مِنَ السُنَّةِ من طلب أبي بكر من المُغيرة من يشهد معه، وطلب عمر من أبي موسى من يشهد معه، وَبَيَنَّا هنا الحكمة التي رمى إليها كل من أبي بكر وعمر في هذين الموقفين، وأثبتا أنهما قَبِلاَ أخبار بعض الصحابة دُونَ أن يطلبا شاهداً آخر، وأن ذلك كان عادتهما التي درجا عليها في قبول الأخبار، ولم يَشُذَّا عنها إلا في مواقف خاصة رميا منها إلى تعليم المُسْلِمِينَ التثبت في الحديث، وكيف يكون عمر شَاكًّا في صدق أبي موسى وهو الذي يقول له:«[أَمَا إِنِّي لَمْ أتَّهِمْكَ]، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْْ لاَ يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى الْحَدِيثِ عَلَى الْحَدِيث عَنْ رَسُول اللَّه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ثم انظر إلى ما رواه " مسلم " من أن أُبَيّاً عاتب عمر على موقفه من أبي موسى وقال له: «لاَ تَكُنْ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَلاَ ترى في هذا العتاب الشديد دليلاً على أَنَّ عمر وقف من أحد الصحابة موقفاً لم يكن مألوفاً لديهم.