٣ - وأما موقف عمر من فاطمة بنت قيس فقد قال المؤلف عن ذلك (١): «وكالذي روي أن فاطمة بنت قيس رَوَتْ أن زوجها طَلَّقَ فَبَتَّ الطلاق فلم يجعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفقة ولا سكنى، وقال لها: «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى»، فردها أمير الؤمنين عمر قائلاً. لا نترك كتاب ربنا وسُنَّةَ نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت، وقالت لها عائشة: أَلاَ تَتَّقِينَ اللهَ ... الخ».
هذا الحديث مروي في أكثر كتب السُنّة، ومعروف عند الفقهاء، والبحث فيه من وجوه:
أَوَلاًً - أن الصحابة كا نوا يتفاوتون في الفهم والدقة في الاستنباط، كما كانت لبعضهم ظروف خاصة يعامله بها الرسول فيحكيها للناس على أنها حكم عام، فيقع بينهم نقاش علمي محض، لا مدخل فيه للنقد المبني على الريبة في الصدق، ولا أثر فيه للتصديق أو التكذيب، فهذا يروي حَدِيثًا فيراه الآخر منسوخاً أو مخصوصاً أو مُقَيَّداً، وهذا يُحَدِّث بحديث فيراه الآخر خَاصًّاً بمن حكم له الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - لظروف خاصة به، وهذا يذكر خبراً فيذكره الآخر على وجه آخر ويحكم عليه بأنه وَهِمَ فيه أو نَسِيَ، أو نقص منه أو ما أشبه ذلك، فكل ما ورد في الآثارعن الصحابة في رَدِّ بعضهم على بعض، واستدراك صحابي على آخر، مَرَدُّهُ إلى ما ذكرناه، وليس معناه تكذيباً من فريق لفريق.
ثَانِياًً - إن قول عمر «لاَ نَدْرْي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» لم يرد في كتاب من كتب الحديث قاطبة، وقد بحثت في كل مصدر استطعت الوصول إليه من مصادر الحديث في مختلف دُورِ الكُتُبِ العامة فلم أعثر على من ذكره بهذا اللفظ، بل الذي فيها " حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ " ولم يرد ذلك اللفظ إلا في بعض كتب الأصول، كـ " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " مَعْزُواً إلى " صحيح مسلم "، وليس في " مسلم " إلا " حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ " وقد نَبَّهَ شارح " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " إلى هذا فقال: «وَالمَحْفُوظُ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ"" حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ "». اهـ.