وإن تعجب فعجبك من صاحب " فجر الإسلام " بعد أن نقل هذا الحديث بهذا اللفظ قال في الهامش: «انظر " شرح النووي على مسلم " وشرح " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ ". وبالرجوع إلى " شرح النووي " لم نجد فيه ذكراً لقوله «صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» وبالرجوع إلى " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " نجده قد نص على أن هذه الزيادة التي ذكرها صاحب " المُسَلَّمِ " ليست واردة في " صحيح مسلم ". على أن المؤلف يعلم أن " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " ليس من كتب السُنَّةِ ولا يرجع إليه في معرفة حديث رسول الله، وقد تابع فيه غيره من الفقهاء والأصوليين بدون تثبت ورجوع إلى كتب الحديث، وقد كان من واجب المؤلف وهو يؤرخ تدوين الحديث أن يرجع في نصوصه إلى مصادره الأصلية، فلا ينقل نصاً إلا من هذه المصادر، كما أن من واجبه، وهو عالم أن يَتَحَلَّى بصفة العلماء وهي الأمانة في النقل والتثبت فيه، فلا ينقل نصاً إلا بعد تثبته منه واطمئنانه إلى أنه وارد وصحيح، ولكنه لم يفعل ذلك، فلا هو رجع إلى كتب الحديث ولا هو كان أميناً في الإحالة إلى كتب الحديث وكتب الأصول، بل أحال النص" المكذوب " إلى "شرح النووي" وشرح "مسلم الثبوت ". ولا ندري هل كان يظن أن قراءه يكتفون منه بادعاء وجوده في هذين المصدرين فيطمئنون؟ أم يرتابون في ذلك ويبحثون؟
ثَالِثاًً - على فرض صحة هذه العبارة - وهو ما لم يثبت حتى الآن - فكان ينبغي له حمل كلمة «كَذَبَتْ» على الخطأ، وحمل كلمة «صَدَقَتْ» على الصواب، وقد قال ابن حجر:«إِنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ يُطْلِقُونَ «الكَذِبَ» عَلَى الخَطَأِ». اهـ.
رَابِعاًً - إنما رَدَّ عُمَرُ خبر فاطمة، لأنه وجده متعارضاً مع ما صَحَّ عنده من الكِتَابِ وَالسُنَّةُ، ومن المعلوم أن الخبرين إذا تعارضا يصار إلى الأقوى منهما، ومدلول الكتاب أقوى من مدلول السُنَّةِ بيقين، فلا جَرَمَ أن كان متعينا على عمر ترك خبرها والأخذ بما قام عنده من الأدلة، واعتذر عنها بأنها لعلها نسيت فأخبرت بما أخبرت، وليس في هذا تشكيك ولا طعن.
خَامِساًً - إن قول عائشة:«أَلاَ تَتَّقِينَ اللهَ» إنما كان بناء على ما علمته من أن الرسول لم يحكم لها بالنفقة والسكنى لعارض لها خاصة، لا أنه حكم عام في كل مُطَلَّقَةٍ مَبْتُوتَةٍ، فلما رأتها تُحَدِّثُ الناسَ بما حكم لها الرسول على أنه حكم عام