بكلامه وعصى رسوله في مقتضى البيان، فلم يلزم من إفراد الطاعنين تباين المطاع فيه بإطلاق، وإذاً فليس في الآيات دليل على أن ما في السُنَّةِ ليس في الكتاب، وما ذكروه من حُكْمِ الرسول للزبير ليس كما زعموا أنه لا وجود له في القرآن، بل هو داخل تحت أحكامه ونصوصه، كما سيأتي في بيان اشتمال القرآن عَلَى السُنَّةِ، ونحن نُسَلِّمُ بوجود الأحكام الزائدة، ولكنها ليست زائدة زيادة شيء ليست في القراَن، بل هي زيادة الشرح على المشروح، وإلا لما كان شرحاً، وهذا ليس بزيادة في الواقع، وأجابوا عن حديث المقدام «يُوشِكُ ... إلخ». بأن في سنده زيد بن الحباب وقد قال فيه الإمام أحمد:«إِنَّهُ صَدُوقٌ كَثِيرُ الخَطَأِ»، وكذلك ابن حبان، وتكلم في أحاديث له رواها عن سفان الثوري، وقد تركه الشيخان لذلك.
الخِلاَفُ لَفْظِيٌّ:
ويتلخص الموقف بين الفريقين في أنهما متفقان على وجود أحكام جديدة في السُنَّةِ لم ترد في القراَن نصاً ولا صراحة، فالفريق الأول يقول: إن هذا هو الاستقلال في التشريع لأنه إثبات أحكام لم ترد في الكتاب. والفريق الثاني - مع تسليمه بعدم ورودها بنصها في القراَن - يرى أنها داخلة تحت نصوصه بوجه من الوجوه التي ستذكر فيما بعد، وعلى هذا فَهُمْ يقولون: إنه لا يوجد حديث صحيح يثبت حُكْمًا غير وارد في القراَن إلا وهو داخل تحت نَصٍّ أو قاعدة من قواعده، فإن وجد حديث ليس كذلك، كان دليلاً على أنه غير صحيح، ولا يصح أن يعمل به.
وأنت ترى أن الخلاف لفظي، وأن كُلاًّ منهما يعترف بوجود أحكام في السُنَّةِ لم تَثبُتْ في القراَن، ولكن أحدهما لا يُسَمِّي ذلك استقلالاً، والآخر يُسَمِّيهِ، والنتيجة واحدة.