أهذا هو الدليل على أنَّ الحكومة الأموية هي التي دعت إلى الوضع؟ لماذا لا يكون وضع هذه الأحاديث في المسائل الخلافية من وضع المذاهب المخلتفة نفسها؟ ولماذا لا يكون لهذه الأحاديث المختلفة سَبَبٌ إلاَّ الوضع، لقد ذكر العلماء وجوهاً كثيرة لأسباب اختلاف الحديث:
منها تَعَدُّدُ وقوع الفعل الذي حكاه الصحابي مَرَّتَيْنِ فِي ظَرْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فيحكي هذا ما شاهده في ذلك الظرف، ويحكي الثاني ما شاهده في ظرف آخر كَحَدِيثََيْ (الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَكَرِ) و (هَلْ هُوَ إِلاَّ بِضْعَةٌ مِنْكَ؟).
ومنها أنْ يفعل النَّبِيُّ الفعل على وجهين إشارة إلى الجواز، فيروي صحابي ما شاهده في الحالة الأولى، ويروي الثاني ما شاهده في الحالة الثانية، كـ «أَحَادِيثِ صَلاَةِ الوِتْرِ أَنَّهَا سَبْعٌ أَوْ تِسْعٌ أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ».
ومنها اختلافهم في حكاية حال شاهدوها من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل اختلافهم في حَجَّة الرَسُولِ، هل كان فيها قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، وكل ذلك حالات يجوز أنْ يفهمها الصحابة من النَّبِيِّ، لأن في القِرَانِ أَوْ التَمَتُّعِ أَوْ الإفراد مِمَّا لا يَطَّلِعُ عليه الناس.
ومنها اختلاف الصحابة في فَهْمِ المُرَادِ من حديث النَّبِيِّ، فهذا يفهم الوجوب، وذلك يفهم الاستحباب.
ومنها أنْ يسمع الصحابي حُكْمًا جديدًا ناسخًا للأول، ولا يكون الثاني قد سمعه، فيظل يروي الحُكْمَ الأول على ما سمع.
وَقُصَارَى القول أنَّ علماءنا بَيَّنُوا أسباب اختلاف الحديث، فما كان مرجعه إلى الوضع بَيَّنُوهُ، وما كان مرجعه إلى غير ذلك بَيَّنُوهُ أيضًا، وَقَدْ صَنَّفُوا فِيهِ كُتُبًا قَيِّمَةً من أشهر من ألَّفَ فيه الإمام الشافعي، وابن قُتيبة، والطحاوي وغيرهم، فَالزَّعْمُ بأنَّ ذلك دليل على وضع الأحاديث المخلتفة كُلُّهَا زَعْمٌ بَاطِلٌ، وأشد منه بُطْلاَناً أنْ يَتَّخِذّ ذلك دليلاً على تَدَخُّلِ الحكومة الأمويَّة في الوضع ودعوتها إليه.
٧ - هَلْ تَدَخَّلَ مُعَاوِيَةُ فِي الوَضْعِ؟:
ولا ينسى جولدتسيهر أنْ يأتي لنا بدليل آخر، فيروي عن معاوية أنه قال