وجفائه لعبد الملك، فقد كان سبب ذلك معلوماً وهو ما أراده عبد الملك من أخذ البيعة لابنه الوليد، ثم لسليمان من بعده، فأبى سعيد وقال:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ» فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فهذا هو سبب الجفاء، ولا نعلم قبل هذه الحادثة جفاء بين سعيد وخلفاء بَنِي أُمَيَّةَ، ووقع شيء من الجفاء بين الحَجَّاجِ وبعض علماء عصره، سببه اشتداد الحَجَّاجِ في مقاومة خصوم الدولة الأموية، لا إمعانه في الفسق والضلال، حتى يثور عليه العلماء الأتقياء. كيف وللحجَّاج فضل في إعجام حروف القرآن وشكل كلماته، وهذا يدل على مبلغ عنايته بكتاب الله وذلك لا يكون إلاَّ في نفس عميقة التدين.
وَقُصَارَى القول: أنَّ هذا المستشرق إنْ عنى بالعلماء الذين وقعت الخصومة بينهم وبين الأُمَوِيِّينَ أنهم هم زُعَمَاءُ الخَوَارِجِ وَالعَلَوِيِّينَ، فَنَعَمْ. ولكن هذا لا علاقة له بالعلماء الذين دأبوا على نشر السُنَّةِ وحفظها وتنقيتها، وإنْ أراد بهم أمثال عطاء ونافع وسعيد والحسن والزُّهْرِي ومكحول وقتادة، فكَذِبٌ وافتراءٌ يَرُدُّهُ التاريخ ويأباه عليه كل الإباء.
والأغرب من هذا أنه يُصَوِّرُ لنا هذا العداء في كتابيه " دراسات إسلامية " و" العقيدة والشريعة في الإسلام " أنه كان بين الأُمَوِيِّينَ وعلماء المدينة، وأنَّ علماء المدينة هم الذين بَدَؤُوا بحركة الوضع ليقاوموا الأُمَوِيِّينَ، ولكن الكذوب يجب أن يكون ذكوراً، فإذا كان علماء المدينة فعلوا ذلك كما يزعم، فهل كانوا هُمْ كُلَّ علماء الإسلام في ذلك العصر؟ أَلَمْ يكن في مكة ودمشق والكوفة والبصرة ومصر وأمصار الإسلام الأخرى صحابة وعلماء أيضاًْ؟ لقد كان في مكة في ذلك العصر - عدا من تأخر وفاته من الصحابة - أمثال عطاء وطاوُوس ومُجاهد وعمرو بن دينار وابنُ جُريج وابن عُيَيْنة، وكان في البصرة أمثال الحسن وابن سيرين ومسلم بن يسار وأبو الشعثاء وأيوب السَّخْتَيَانِي وَمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّيرِ، وكان في الكوفة أمثال علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل ومسروق بن الأجدع وعُبيدة السلماني وسويد بن غفلة وعبد الله بن عُتبة بن مسعود وعمرو بن ميمون وإبراهيم