أنزل الله القرآن على رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُدًى للمتقين ودستوراً للمسلمين، وَشِفَاءً لصدور الذين أراد الله لهم الشفاء، ونبراساً لمن أراد الله لهم الفلاح والضياء، وهو مشتمل على أنواع من الأغراض التي بعث الله من أجلها الرسل، ففيه التشريع والآداب والترغيب والترهيب والقصص والتوحيد، وهو مقطوع بصحته إجمالاً وتفصيلاً، فمن شك في آية أو كلمة أو حرف من حروفه لم يكن مسلماً، وأهم ما يعنى به العالم المتفقه في دين الله أن يتعرف إلى أحكام الله في كتابه وما شَرَّعَهُ الله لعباده من نُظُمٍ وقوانين.
وقد تلقاه المُسْلِمُونَ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشافهة في عصر الصحابة نقلاً متواتراً في العصور التالية، وللرسول مُهِمَّةٌ أخرى غير تبليغ كتاب الله إلى الناس، وهي تبيين هذا الكتاب وشرح آياته، وتفصيل الجمل من أحكامه، وبيان ما أنزله الله في كتابه من قواعد عامة أو أحكام مجملة أو غير ذلك.
من هنا كان المُسْلِمُونَ في حاجة إلى معرفة بيان رسول الله، مع حاجتهم إلى معرفة كتاب الله، ولا يمكن أن يفهم القراَن على حقيقته وأن يعلم مُرَادَ الله من كثير من آيات الأحكام فيه إلا بالرجوع إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي أنزل الله عليه الكتاب لِيُبَيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم من ربهم.
ومن هنا اتفق المُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، إلا من شَذَّ من بعض الطوائف المنحرفة، على أن سُنَّةََ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قول أو عمل أو تقرير هي من مصادر التشريع الإسلامي الذي لا غنى لكل مُتَشَرِّعٍ عن الرجوع إليها في معرفة الحلال والحرام، وقد ذكرنا في الفصول السابقة ما يدل على هذا في كتاب