للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«لَمْ أُخْرِجْ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيحًا، وَمَا تَرَكْتُ مِنَ الصَحِيحِ أَكْثَر» (١) اهـ.

فإذا كان العلماء يقرون أن البخاري لم يستوعب الصحيح في "جامعه"، وأنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح، يكون ما نقله المولف عنهم نقلاً غير صحيح، هذا إذا عناهم بقوله: «قَالُوا» أما إذا كان يعني بهم عامة الناس والشائع على ألسنة الطلبة فذلك شيء آخر، إلا أن المقام مقام علم وتحقيق.

عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ وَهَلْ كَانَ مُغَفَّلاً؟:

قال المؤلف ص ٢٦٠ متكلماً عن الوَضَّاعِينَ في الحديث: «وبعضهم كان سليم النية يجمع كل ما أتاه على أنه صحيح، وهو في ذاته صادق فَيُحَدِّثُ بكل ما سمع، فيأخذه الناس عنه مخدوعين بصدقه، كالذي قيل في عبد الله بن المبارك فقد قيل: إنه ثقة صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر». وأشار في هامش الكتاب إلى أن هذا القول في عبد الله بن المبارك وارد في " صحيح مسلم ".

المولف يتكلم عن الوَضَّاعِينَ في الحديث، والوضاعون هم الذين كانوا يختلقون الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأغراض متباينة ذكرِناها في مواضعها من هذا الكتاب، أما سليم النية الذي جمع كل ما أتاه وهو في ذلك صادق فهذا ليس من الوَضَّاعِينَ بحال، لأنه لم يكذب لا في سند الحديث ولا في متنه، وغاية ما يقال فيه أنه «ذو غفلة» يتلقى الحديث بلا نقد ولا تمحيص، فيتوقف في قبول حديثه إلى أن يتبين ما يرِويه، فإن كان عن ثقات وشاركه الثقات فيما ينقل قُبِلَ، وإلا فلا، أما إدراجه ضمن الوَضَّاعِينَ كما فعل المولف فهو خطأ بَيِّنٌ ناتج عن عدم الدقة في التعبير والتأليف، وأيضاًً فالكلام عن عبد الله بن المبارك في صَدَدِ الحديث عن الوَضَّاعِينَ يوهم أنه منهم، هذا نقد شكلي للعبارة، أما النقد الموضوعي، فالذي يُسْتَخلَصُ مِمَّا ذكر المؤلف ثلاثة أمور:

أَوَلاًً: أن عبد الله بن المبارك كان سليم النية يُحَدِّث بكل ما سمع من غيرِ نقد للرجال.


(١) " شروط الأئمة الخمسة " للحازمي: ص ٤٧ وهو المطبوع مع " شروط الأئمة الستة " للحافظ ابن طاهر المقدسي: ص ٤٧.