للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: ما صح عند البخاري: زعم مولف " فجر الإسلام " أن ما جمعه البخاري في حديثه وهو أربعة ألاَّف عن غير المُكَرَّرِ هو كل ما صح عنده من عدد الأحاديث التي كانت متداولة في عصره وبلغت ستمائة ألف، وهذا الذي زعمه المؤلف غير معروف عند العلماء، بل المعروف عندهم، أن البخاري لم يجمع في كتابه كل ما صح عنده.

قال ابن الصلاح - رَحِمَهُ اللهُ - في " مقدمته ": «لَمْ يَسْتَوْعِبَا - أي البخاري ومسلم - الصَّحِيحَ فِي " صَحِيحَيْهِمَا "، وَلاَ الْتَزَمَا ذَلِكَ. فَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " مَا أَدْخَلْتُ فِي كِتَابِي (الْجَامِعِ) إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ [لِحَالِ] الطُّولِ " وَرُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٌ وَضَعْتُهُ هَا هُنَا - يَعْنِي فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ - إِنَّمَا وَضَعْتُ هَا هُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ "» (١).

قال الحافظ ابن كثير: «ثُمَّ إِنَّ البُخَارِي وَمُسْلَِمًا لَمْ يَلْتَزِمَا بِإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ مِنَ الأَحَادِيثِ فَإِنَّهُمَا قَدْ صَحَّحَا أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابَيْهِمَا كَمَا يَنْقُلُ التِرْمِذِي عَنِ البُخَارِيِّ تَصْحِيحَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ (أَيْ: فِي الجَامِعِ الصَّحِيحِ) بَلْ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا» (٢).

قال الحافظ الحازمي في كتابه " شروط الأئمة الخمسة ": «وأما البخاري فلم يلتزم أن يخرج كل ما صح من الحديث، ويشهد لصحة ذلك ما أخبرنا به أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد قال: أنبأنا به طلحة في كتابه عن أبي [سعد] الماليني أنبأنا عبد الله بن عدي قال: حدَّثني محمد بن أحمد قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول: سمعت محمد بن إسماعيل «يعني البخاري» يقول: «أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَأَحْفَظُ مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ». وذكر أيضاًً بسنده إلى البخاري أنه قال:


(١) " مقدمة علوم الحديث ": ص ١٠، وعبارة مسلم هذه في " صحيحه " ٢/ ١٥ في باب التشهد في الصلاة، بصدد حديث انتقد عليه تصحيحه إياه رغم أنه لم يودعه في " صحيحه " فأجاب بذلك.
(٢) " اختصار علوم الحديث ": ص ٩ - ١٠.