اِشْتِهَارُهُ بِالعِلْمِ وَإِقْبَالُ النَّاسِ عَلَيْهِ:
لم يكن غريباً بعد أنْ عانى الزُّهْرِي في صباه ما عانى من السَهَرِ والسفر وخدمته لشيوخه، وبعد أنْ عرف الناس قوة حفظه، وَشِدَّةَ إتقانه وأمانته وصدقه في العلم أنْ ينتشر صِيتُهُ في الآفاق، وَيُقْبِلَ عليه الناس من كل فَجٍّ يكتبون حديثه.
وقال الإمام مالك: «كَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا دَخَلَ المَدِينَةَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا، وَأَدْرَكْتُ مَشَايِخَ أَبْنَاءَ سَبْعِينَ وَثَمَانِينَ لاَ يُؤَخَذُ مِنْهُمْ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ شِهَابٍ وَهُوَ دُونَهُمْ فِي السِنِّ فَيُزْدَحَمُ عَلَيْهِ».
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ بِسَعَةِ العِلْمِ:
أخرج الذهبي في " تذكرته "، والحافظ ابن عساكر في " تاريخه "، أنَّ الليث بن سعد قال: «مَا رَأَيْتُ عَالِمًا قَطُّ أَجَمْعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، يُحَدِّثُ فِي التَّرْغِيبِ، فَتَقُولُ: لاَ يُحسِنُ إلاَّ هَذَا، وَإِنْ حَدَّثَ عَنِ القُرْآنِ وَالسُنَّةُ كَانَ حَدِيثُهُ جَامِعًا».
وَرَوَى الإِمَامُ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَدِمَ المَدِينَةِ، فَأَخَذَ بَيَدِ رَبِيعَةَ وَدَخَلاَ إِلَى بَيْتِ الدِّيوَانِ، فَلَمَا قَرُبَ وَقْتُ العَصْرِ خَرَجَ ابْنُ شِهَابٍ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا ظَنَنْتُ بالمَدِينَة مِثْلَ رَبِيعَةَ، وخَرَجَ رَبِيعَةُ يَقُولُ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً بَلَغَ مِنَ العِلْمِ مَا بَلَغَ ابْنُ شِهَابٍ».
وقال عَمَرٍو بَن دِينَارٍ بَعْدَ أَنْ اجْتَمَعَ بِالزُّهْرِيِّ طَوِيلاً: «وَاللَّهِ مِثْلَ هَذَا القُرَشِيِّ مَا رَأَيْتُ قَطُّ».
مَكَانَتُهُ فِي السُنَّةِ:
أخرج ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، والحافظ ابن عساكر وغيرهما، أن عمر بن عبد العزيز قال لجلسائه يَوْماًً: «هَلْ تَأْتُونَ ابْنَ شِهَابٍ؟» قَالُوا: إِنَّا لَنَفْعَلُ، قَالَ: «فَأْتُوهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَم بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْهُ»، قَالَ مَعْمَرُ: «وَإِنَّ الحَسَنَ وَضُرَبَاءَهُ لأَحْيَاءٌ يَوْمَئِذٍ».
قال علي بن المديني: «دَارَ عِلْمُ الثِّقَاتِ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَعَمْرِوُ بْنِ دِيْنَارٍ بِالحِجَازِ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِالبَصْرَةِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ وَالأَعْمَشِ فِي الكُوفَةِ - يَعْنِي أَنََّ غَالِبَ الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ لاَ تَخْرُجُ عَنْ هَؤُلاءِ السِتَّةِ».
وقال عمرو بن دينار: «مَا رَأَيْتُ أَنَصَّ وَأَبْصَرَ بِالحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ».