للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطعن ابن حزم في هذه الرواية بالانقطاع، «لأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَاوِيهِ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَدْ وَافَقَهُ البَيْهَقِيُّ عَلَىَ هَذَا، وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَثْبَتُوا سَمَاعَهُ مِنَ عُمَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ٩٩ أَوْ ٩٥ وَعُمْرُهُ (٧٥ سَنَةً) فَيَكُونُ قَدْ وُلِدَ سَنَةَ ٢٠ مِنَ الهِجْرَةِ فِي أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ. فَلاَ يُتَصَوَّرُ سَمَاعُهُ مِنْهُ فِيْ مِثْلِ تِلْكَ السِنِّ، وَعَلَىَ ذَلِكَ فَلاَ تَكُونُ الرِّوَايَةُ حُجَّةً وَلاَ يُؤْخَذُ بِهَا .. » ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: «إِنَّ الخَبَرَ فِي نَفْسِهِ ظَاهِرُ الكَذِبِ وَالتَّوْلِيدِ، لأَنَّهُ يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ اتَّهَمَ الصَّحَابَةَ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ، أَوْ يَكُونَ نَهَى عَنْ نَفْسِ الحَدِيثِ وَعَنْ تَبْلِيغِ السُنَّةِ، وَأَلْزَمَهُمْ كِتْمَانَهَا وَجَحَدَهَا، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنِ الإِسْلامِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللهُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَصْلاً، وَلَئِنْ كَانَ حَبَسَهُمْ وَهُمْ غَيْرُ مُتَّهَمِينَ، قَدْ ظَلَمَهُمُ فَلْيَخْتَرْ المُحْتَجُّ لِمَذْهَبِهِ الفَاسِدِ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ المَلْعُونَةِ أَيُّ الطَّرِيقَيْنِ الخَبِيثَيْنِ شَاءَ». اهـ. (١).

هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَشْتَرِطُونَ لِقَبُولِ الحَدِيثِ شَيْئًا؟:

١ - قال الحافظ الذهبي في " تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ " في ترجمة أبي بكر الصديق: «كَانَ أَوَّلُ مَنْ احْتَاطَ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ». ثم روى الذهبي من طريق ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث. قال: «مَا أَجِدُ لَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ الْلَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَكِ شَيْئًا»، ثُمَّ سَأَلَ النَّاسَ فَقَامَ المُغيرَةُ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهَا السُّدُسَ». فَقَالَ لَهُ: «هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟» فَشَهِدَ مُحَمَّدٌ بْن مَسْلَمَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -».

٢ - وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الجَرِيرِي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا مُوسَى سَلَّمَ عَلَى عُمَرَ مِنْ وَرَاءِ البَابِ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَأرْسَلَ عُمَرُ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: " لِمَ رَجَعْتَ؟ " قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُجَبْ فَلْيَرْجِعْ». قَالَ: " لتَأْتِينِيِ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَو لأَفْعَلَنَّ بِك


(١) " الإحكام ": ٢/ ١٩٣.