للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - الإِمَامُ أَحْمَدُ:

١٦٤ - ٢٤١ هـ:

حَيَاتُهُ وَمَكَانَتُهُ العِلْمِيَّةُ:

هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، ولد في بغداد سَنَةَ ١٦٤ هـ وبها نشأ وترعرع، حضر في أول طلبه مجلس أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة ثم انتقل إلي طلب الحديث، وما زال يَجِدُّ في طلبه ويلقى الشيوخ ويكتب عنهم، حتى بلغ الذروة في حفظ السُنَّةِ والإحاطة بها، وحتى أصبح إمام السُنَّةِ في عصره غير منازع، أخذ عن الشافعي الفقه أولاً، ثم أخذ الشافعي عنه الحديث، ومن تلاميذه البخاري ومسلم، وكان من الورع والزهد والأمانة وَالتَشَدُّدِ في الحق على جانب عظيم، تعرض لمحنة خَلْقِ القُرْآنِ وصبر عليها منذ عهد المأمون حتى المتوكل، وكان لموقفه العظيم أثر خالد في تثبيت قلوب الجمهور على الحق، وقد زاد ثباته على المحنة في نظر المُسْلِمِينَ، مكانته في قلوبهم واعترافهم بإمامته وشهادات العلماء في حقه كثيرة متوافرة، وحسبك قول الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -: «خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ وَمَا خَلَّفْتُ فِيهَا رَجُلاً أَفْضَلَ وَلاَ أَعْلَمَ وَلاَ أَوْرَعَ وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ». وتوفي - رَحِمَهُ اللهُ - ببغداد سَنَةَ ٢٤١ ومشى في جنازته خلق لا يحصون.

أُصُولُ مَذْهَبِهِ:

أما أصول مذهبه فهي أصول الأئمة: الكتاب وَالسُنَّةُِ والإجماع والقياس، وكان كثير الأخذ بِالسُنَّةِ حتى قَدَّمْنَا عنه قوله: «ضَعِيفُ الحَدِيثِ عِنْدِي خَيْرٌ [أَوْلَى] (١) مِنْ رَأْىِ الرِّجَالِ» وكان كثير الاتِّبَاعِ لآراء الصحابة، حتى إذا كان للصحابة رأيان في المسألة أو ثلاثة كان له فيها رأيان أو ثلاثة، ومن هنا لم يَعُدَّهُ بعض العلماء من الأئمة الفقهاء كما فعل ابن عبد البر في " الانتقاء " وابن جرير الطبري في " اختلاف الفقهاء "، ولقي بسبب ذلك عَنَتًا شَدِيدًا من الحنابلة في زمنه. ولكن الحق أنه إمام مجتهد فقيه لا شك في ذلك، وإن كانت صبغة الحديث عليه أغلب.

" المُسْنَدُ ": مَرْتَبَتُهُ - أَحَادِيثُهُ:

وقد كان من أخلد آثار الإمام وأجزلها فائدة وأعظمها بركة عَلَى السُنَّةِ كتابه


(١) [قارن بما في صفحة ٤١٠ من هذا الكتاب: «ضَعِيفُ الحَدِيثِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ رَأْىِ الرِّجَالِ»].