للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفَصْلُ السَّادِسُ: السُنَّةُ مَعَ المُسْتَشْرِقِينَ:

عرض تاريخي لأغراض المُسْتَشْرِقِينَ:

لما هاجمت الجيوش الصليبية بلاد الإسلام، كانت مدفوعة إلى ذلك بدافعين:

الأول - دافع الدين والعصبية العمياء التي أثارها رجال الكنيسة في شعوب أوربا، مفترين على المُسْلِمِينَ أبشع الافتراءات: مُحَرِّضِينَ النَّصَارَى أشد تحريض على تخليص مهد المسيح من أيدي الكفار (أي المُسْلِمِينَ) فكان جمهرة المقاتلين من جيوش الصليبيين من هؤلاء الذين أخرجتهم العصبية الدينية من ديارهم عن حسن نية، وَقُوَّةِ العقيدة، إلى حيث يلاقون الموت والقتل والتشريد، حملة بعد حملة، جيشاً بعد جيش.

الثاني - دافع سياسي استعماري، فلقد سمع ملوك أوربا بما تَتَمَتَّعُ به بلاد الإسلام وخاصة بلاد الشام وما حولها من طمأنينة وَمَدَنِيَّةٍ وحضارة لا عهد لهم بمثلها، كما سمعوا الشيء الكثير عن ثرواتها ومصانعها وأراضيها الخصبة الجميلة، فجاؤوا يقودون جيوشهم باسم المسيح، وما في نفوسهم في الحق إلاَّ الرغبة في الاستعمار والفتح والاستئثار بخيرات المُسْلِمِينَ وثرواتهم، وشاء اللهُ أن تَرْتَدَّ الحملات الصليبية كلها مدحورة مهزومة، بعد حروب دامت مائتي سَنَةً كاملة، وأنْ يقضى على الإمارات التي استولوا عليها، وأنْ ترجع هذه الحملات إلى ديارها، تحمل في قلوبها الحسد. وفي جباهها الهزيمة، ولكنها في الواقع كانت تحمل في عقولها شيئاً من نور الإسلام، وفي أيديها ثمار الحضارة التي كانت بلادهم محرومة منها، وإذا كانت الشعوب الأوربية قد رضيت من الغنيمة بالإياب، فإنَّ ملوكها وأمراءها رجعوا مُصَمِّمِينَ على الاستيلاء على هذه البلاد مهما طال الزمن وكثرت التكاليف،