ومن أمثلة ذلك ما فعله غياث بن إبراهيم، إذ دخل على المهدي وهو يلعب بالحَمَامِ فروى له الحديث المشهور «لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ»(١) وزاد فيه «أَوْ جَنَاحٍ» إرضاءً للمهدي، فمنحه المهدي عشرة آلاف درهم، ثم قال بعد أن وَلَّى:«أَشْهَدُ أَنَّ قَفَاكَ قَفَا كَذَّابٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَأَمَرَ بِذَبْحِ الحَمَامِ.
وهنالك أسباب أخرى للوضع كالرغبة في الإتيان بغريب الحديث من متن وإسناد، والانتصار للفتيا، والانتقام من فئة معينة، والترويج لنوع من المآكل أو الطيب أو الثياب، وقد توسع العلماء في ذكرها وضربوا لها الأمثال.
ونتيجة لما ذكرناه من بواعث الوضع، نذكر فيما يلي أشهر أصناف الوَضَّاعِينَ وَهُمْ:
١ - الزنادقة.
٢ - أرباب الأهواء والبدع.
٣ - الشُعُوبِيُّونَ.
٤ - المُتَعَصِّبُونَ لجنس أو بلد أو إمام.
٥ - المُتَعَصِّبُونَ للمذاهب الفقهية مع جهل وقلة دين.
٦ - القُصَّاص.
٧ - الزهاد والمغفلون من الصالحين.
٨ - المتملقون للملوك، والطالبون الزلفى إليهم.
٩ - المُتَطَفِّلُونَ على الحديث مِمَّنْ يُفَاخِرُونُ بِعُلوِّ الإسناد وغريب الحديث.
ولا بد لي في ختام هذا البحث من إبداء ملاحظة، كثيراً ما تَرَدَّدَتْ على الخاطر، ثم قويت أثناء كتابة هذا الفصل، وهي ما كان لتساهل الخلفاء والأمراء مع الوَضَّاعِينَ من أثر سَيِّءٍ جَرَّ على الدين كثيراً من البلاء، ولو وقفوا منهم موقف الجد وقضوا على رؤسائهم، كما هو حكم الله في مثل هذه الحالة، لما انتشرت هذا الانتشار، بل رأينا مع الأسف أن خليفة كالمهدي رغماً عن اعترافه بكذب غياث بن إبراهيم وزيادته في الحديث تقرباً إلى هواه، كافأه بعشرة آلاف درهم ... وما تقوله الرواية من أنه أمر بذبح الحَمَامِ لأنه كان سبباً في هذه الكذبة، فهو مدعاة
(١) أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة، ورواه الشافعي والحاكم وَصَحَّحَهُ.