النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجب العمل به من غير تقييده بموافقة عمل أهل المدينة كما اشترط مالك، أو بالشروط المتعددة التي اشترطها أبو حنيفة، وبذلك كان في جانب أهل الحديث مِمَّا جعلهم يطلقون عليه لقب «نَاصِرَ السُنَّةِ» وفي الحق أن " رسالته " وبحوثه في " الأم " من أثمن ما ألفه العلماء دفاعاً عن حُجِيَّةِ السُنَّةِ ومكانتها في التشريع بأسلوب قوي جزل، وأدلة دامغة قاهرة، ولا ينكر كل من كتب في مصطلح الحديث وفي مباحث السُنَّةِ والكتاب من علماء الأصول، أنه مدين للشافعي فيما كتب، ومن هنا كان صحيحاً ما يقوله محمد بن الحسن:«إِنْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ يَوْمًا فَبِلِسَانِ الشَّافِعِيِّ» وما قاله الزعفراني: «كَانَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ رُقُودًا فَأَيْقَظَهُمْ الشَّافِعِيُّ». ومن هنا أجله علماء الحديث وذكروه بكل خير، فقال فيه أحمد بن حنبل:«مَا أَحَدٌ مَسَّ بِيَدِهِ مَحْبَرِةً وَلاَ قَلَمًا إِلاَّ وَلِلْشَّافِعِيِّ فِي رَقَبَتِهِ مِنَّةٌ». ويقول:«مَا عَلِمْنَا المُجْمَلِ مِنْ المُفَسَّرَ وَلاَ نَاسِخَ حَدِيثِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ». وقال عبد الرحمن بن مهدي: «لَمَّا نَظَرْتُ " الرِّسَالَةَ " لِلْشَّافِعِيِّ أَذْهَلَتْنِي لأَنَّنِي رَأَيْتُ كَلاَمَ رَجُلٍ عَاقِلٍ فَصِيحٍ نَاصِحٍ، فَإِنِّيَ لأَكْثَرَ الدُّعَاءَ لَهُ». وقال الكرابيسي:«مَا كُنَّا نَدْرِي مَا الكِتَابُ وَالْسُّنَّةُ حَتَّى سَمِعْنَاهُ مِنْ الشَّافِعِيِّ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ الشَّافِعِيَّ وَلاَ رَأَىَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ نَفْسِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ وَأَعْرِفَ».
أُصُولُ مَذْهَبِهِ:
كانت أصول مذهبه كأصول الأئمة الآخرين: العمل بالكتاب وَالسُنَّةِ والقياس والإجماع، إلا أن عمله بِالسُنَّةِ كان أوسع دائرة من مالك وأبي حنيفة من ناحية الأخذ بخبر الآحاد، وكان أضيق دائرة من ناحية رفض العمل بالمرسل إلا إذا كان مرسل كبار التَّابِعِينَ كسعيد بن المسيب. ومن أصوله «الاستصحاب» وقد أخذ به الحَنَفِيَّةُ في الدفع لا في الإثبات.
ولم ينقل عن الشافعي من الحديث كتاب مستقل إلا " مسند الشافعي "، رواية أبي العباس الأصم، و" سُنن الشافعي " رواية الطحاوي، ويظهر أنه من