للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستشرق اليهودي جولدتسيهر (وسيأتي كلامه في هذا المعنى تماماً) على رأي علماء المُسْلِمِينَ وأئمة الدين؟.

وبعد فهذه هي الأحاديث الي ذكرها أمثلة لما يريد من نقد عميق دقيق ولا ريب أنه قد اتضح لك فيما ذكرناه أن صاحب " فجر الإسلام " لَمْ يَأْتِ بشيء جديد في قواعد النقد لم ينتبه له علماؤنا، ولكن الجديد هو أنه كان جريئاً في تطبيق هذه المقاييس بغير اتِّزانٍ ولا تثبت، فطبقها على أحاديث كانت، قوتها وصحتها كافية لهزيمته في هذا الميدان، وكشف هزال ما اقتبسه عن المُسْتَشْرِقِينَ من علم مُحَرَّفٍ ورأي خاطىء، وأن علماءنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - لم تخرجهم الأهواء عن جادة الهُدَى، ولم تندفع بهم عواطفهم إلى أن يركبوا الصعب من الأمور فلا يجدوا لهم مخرجاً، وأن ما وضعوه من قواعد لنقد الرجال ونقد المتن، وما وفقوا إليه من حسن استخدام هذه القواعد وتطبيقها، هو الطريق الواضح الأمين الدْي يتحتم المصير إليه، فما دام الحديث قد وصلنا عن طريق علمي صحيح، بنقل الثقة الثبت عن الثقة الثبت: هكذا إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس في متنه ما يوجب رَدَّهُ حتماً، فلا يجوز إنكاره ولا تكذيبه، لأنه إما أن يعتبر إنكاراً لقول رسول الله، وهذا لا يصير إليه مسلم، أو تكذيباً لرُوَاةِ الحديث من الصحابة والتَّابِعِينَ ومن بعدهم، وقد فرضنا أنهم ثقات أثبات بحكم التاريخ، وأن من تتبع سيرتهم، ودرس أخلاقهم لا يرى في بني الإنسان أصدق منهم ولا أتقى لله - عَزَّ وَجَلَّ -، والشك - مع هذا - فيما نقلوا يستلزم (من باب أولى) الشك في كل ما حوته بطون التاريخ من أخبار الأمم، فإن قال الأستاذ: إنا لا نقول بتكذيب هؤلاء الرُواة الثقات العدول، ولكن بِتَجَوُّزِ الوَهْمِ والخطأ عليهم، قلنا: هذا احتمال ضعيف فلا يغلب الظن القوي، على أن علماءنا احتاطوا لهذا الأمر فقالوا - إلا قليلاً منهم - بإفادة حديث الآحاد غلبة الظن، فأي حاجة لشيء بعد هذا؟

ثم نتابع نقدنا لـ " فجر الإسلام " فنقول:

العَمَلُ بَخَبَرِ الوَاحِدِ:

ذكر المؤلف (١) أن علماء الحديث قَسَّمُوهُ إلى قسمين «متواتر»


(١) [" فجر الإسلام "]: ص ٢٦٧.