للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع عمل أهل المدينة رجح الثاني، ومن هنا استدرك عليه الليث بن سعد سبعين سُنَّةً ترك الأخذ بها وهي في " موطئه "، ولم يوافقه بقية الأئمة والعلماء من بعده على هذا. وَمِمَّنْ ناقشه في ذلك الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -، وتتالى العلماء من بعده يناقشونه في ذلك، ومن أشهر من رَدَّ عليه حُجِيَّةَ عمل أهل المدينة ابن حزم، فقد ناقشه في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " نقاشاً قوياً، وكذلك رَدَّ عليه في بحوث متفرقة من كتابه " المُحَلَّى " وهو شديد الوطأة في نقاشه العلمي مع كل من يخالفهم (١).

وقد انتشر مذهب مالك في كثير من أقطار العالم الإسلامي وخاصة في المغرب (*) ومصر.

" المُوَطَّأُ ": - مَكَانَتُهُ - رِوَايَاتُهُ وَأَحَادِيثُهُ - شُرُوحُهُ:

ولعل أشهر ما عرف به الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ -، كتابه " المُوَطَّأ " الذي ألفه بإشارة من المنصور حين حج وطلب إليه أن يُدَوِّنُ كتاباً جامعاً في العلم يتجنَّبُ فيه شدائد ابن عمر وَرُخَصَ ابن عباس، وأن يُوَطِّئَهُ للناس، فألف كتابه هذا، وسمَّاه " المُوَطَّأ " وذكر السيوطي لهذه التسمية سبباً آخر، وهو ما روي أن مالكاً قال: «عَرَضْتُ كِتَابِي هَذَا عَلَى سَبْعِينَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ فَكُلُّهُمْ وَاطَأَنِي عَلَيْهِ فَسَمَّيْتُهُ " المُوَطَّأ "» ثم جاء المهدي حَاجًّا فسمعه منه وأمر له بخمسة آلاف دينار ولتلاميذه بألف، ثم رحل إليه الرشيد في إحدى حججه، مع أولاده وسمعه منه، ورغب أن يعلقه في الكعبة ويحمل الناس على العمل بما جاء به فأجابه - رَحِمَهُ اللهُ -: «لاَ تَفْعَلْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَلَفُوا فِي الفُرُوعِ وَتَفَرَّقُوا فِي البُلْدَانِ، وَكُلٌّ مُصِيبٌ» فَعَدَلَ الرَّشِيدُ عَنْ ذَلِكَ، رواه أبو نعيم في " الحِلْيَةِ ".

وقد وضع الله له القبول في قلوب الناس، فأقبلوا عليه دراسة وسماعاً، ومن أشهر الأئمة الذين سمعوه من مالك: الأوزاعي، والشافعي، ومحمد، ورواية محمد له هي إحدى روايات " المُوَطَّأ " المشهورة والمعتبرة كما سيأتي.


(١) انظر " الإحكام ": ٢/ ٩٧ - ١٢٠.