للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذان الوجهان، اللذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سَنَّ رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب.

١ - فمنهم من قال: جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن يَسُنَّ فيما ليس فيه نص كتاب.

٢ - ومنهم من قال: لم يسن سُنَّةً قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سُنَّتُهُ لتبيين عدد الصلاة، وعملها على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سَنَّ من البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله تعالى قال: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (١) وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٢) فما أَحَلَّ وَحَرَّمَ فإنما بَيَّنَ فيه عن الله كما بَيَّنَ الصلاة.

٣ - ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سُنَّتَهُ بفرض الله.

٤ - ومنهم من قال: ألقي في روعه كل ما سَنَّ، وسُنَّتَهُ الحكمة التي ألقى في روعه عن الله فكان ما ألقي في روعه سُنَّتَهُ». اهـ.

وواضح أن مراده بالخلاف في القسم الثالث ليس الخلاف في وجوده بل في مخرجه، هل هو على الاستقلال بالتشريع كما قال أصحاب القول الأول والثالث والرابع؟ أم بدخوله ضمن نصوص القرآن كما قال أصحاب القول الثاني؟.

حُجَجِ القَائِلِينَ بِالاسْتِقْلاَلِ:

قالوا أولاً: إنه لا مانع عقلاً من وقوع استقلال السُنَّةِ بالتشريع ما دام رسول الله معصوماً عن الخطأ، ولله أن يأمر رسوله بتبليغ أحكامه على الناس من أي طريق، سواء كان بالكتاب أو بغيره، وما دام جائزاً عقلاً وقد وقع فصلاً باتفاق الجميع فلماذا لا نقول به؟.

قالوا ثانياً: إنَّ النصوص الواردة في القرآن الدالة على وجوب اتباع الرسول وطاعته فيما يأمر وينهى لا تفرق بين السُنَّةِ المُبَيِّنَةِ أو المؤكدة أو المستقلة، بل


(١) [سورة النساء، الآية: ٢٩].
(٢) [سورة البقرة، الآية: ٢٧٥].