فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإمام الهادي الذي أخبر اللهُ عنه أنه أُسْوَةٌ لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وَخُلُقٍ وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال، سواء أَثْبَتَ ذلك حُكْمًا شَرْعِيَّا أم لا.
وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول اللهِ المُشَرِّعِ الذي يضع القواعد لِلْمُجْتَهِدِينَ من بعده: وَيُبَيِّنُ للناس دستور الحياة، فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها.
وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي لا تخرج أفعاله عن الدلالة على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوبا أو حرمة أو إباحة أو غير ذلك.
ونحن هنا نريد بِالسُنَّةِ ما عناه الأصوليون، لأنها - بتعريفهم - هي التي يبحث عن حُجِيَّتِهَا ومكانتها في التشريع، وإن كنا تعرضنا لإثبات السُنَّةِ تَارِيخِيًّا بالمعنى الأعم الذي عناه المُحَدِّثُونَ.
وُجُوبُ طَاعَةِ الرَّسُولِ فِي حَيَاتِهِ:
كان الصحابة في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفيدون أحكام الشرع من القرآن الكريم الذي يتلقونه عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكثيرًا ما كانت تنزل آيات القرآن مجملة غير مُفَصَّلَةٍ، أَوْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ، كالأمر بالصلاة، جاء مُجْمَلاً لم يُبَيِّنْ في القرآن عدد ركعاتها ولا هيئتها ولا أوقاتها، وكالأمر بالصلاة، جاء مُطْلَقًا لم يُقَيَّدْ بالحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة، ولم تُبَيِّنْ مقاديرها، ولا شروطها، وكذلك كثيرًا من الأحكام التي لا يمكن تنفيذها دُونَ الوقوف على شرح ما يتصل بها من شروط وأركان ومفسدات، فكان لاَ بُدَّ لهم من الرجوع إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعرفة الأحكام معرفة تفصيلية واضحة.
وكذلك كانت تقع لهم كثير من الحوادث التي لم ينص عليها القرآن، فَلاَ بُدَّ من بيان حكمها عن طريقه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وهو مُبَلِّغٌ عن ربه، وأدرى الخلق بمقاصد شريعة الله وحدودها ونهجها ومراميها.