للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثال التقرير: ما أَقَرَّهُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضى، أو بإظهار استحسان وتأييد.

فمن الأول، إقراره - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدَكُمْ العَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (١) فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فَأَخَّرَهَا إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أن المقصود حث الصحابة على الإسراع فصلاها في وقتها، وبلغ النَّبِيَّ ما فعل الفريقان فَأَقَرَّهُمَا ولم ينكر عليهما.

ومن الثاني: ما روي أن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَكَلَ ضَبًّا قُدِّمَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَنْ يَأْكُلَهُ، فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: أَوَ يَحْرُمُ أَكْلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «لاَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» (٢).

وقد تطلق السُنَّةُ عندهم على ما دَلَّ عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب العزيز، أو عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو اجتهد فيه الصحابة، كجمع المصحف وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين، ويقابل ذلك «البدعة» ومنه قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» (٣).

وفي اصطلاح الفقهاء: ما ثبت عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة، وقد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم: «طَلاَقُ السُنَّةِ كَذَا، وَطَلاَقُ البِدْعَةِ كَذَا» (٤).

وَمَرَدُّ هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلافهم في الأغراض التي يعني بها كل فئة من أهل العلم.


(١) أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن ابن عمر.
(٢) " البخاري " و" مسلم " عن ابن عباس.
(٣) " الموافقات " للشاطبي: ٤/ ٦، والحديث أخرجه " أبو داود " و" الترمذي "، عن العرباض بن سارية، وقال: حسن صحيح.
(٤) " إرشاد الفحول " للشوكاني: ص ٣١.