للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفَصْلُ الثَّانِي: كَيْفَ اشْتَمَلَ القُرْآنُ عَلَى السُنَّةِ:

إذا كانت السُنَّةُ مُبَيِّنَةً للقرآن، وإذا كان القرآن قد دَلَّ على كل ما في السُنَّةِ إجمالاً وتفصيلاً على رأي الشاطبي، ومن وافقه، أخذاً بقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (١) وبقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (٢) فعلى أي وجه تم ذلك، مع أننا نرى أحكاماً كثيرة لم ترد في الَقرآن؟.

هنا يختلف العلماء في بيان ذلك على خمسة طرق:

الطَّرِيقَةُ الأُولَى: أن القراَن دَلَّ على وجوب العمل بِالسُنَّةِ، فكل عمل بما جاءت به السُنَّةُ عمل بالقرآن، وهذه الطريقة كما ترى طريقة عامة، ومِمَّنْ أخذ بها عبد الله بن مسعود، فقد رُوِيَ أن امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ»، فَقَالَ: «وَمَا لِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ»، فَقَالَتْ المَرْأَةُ: «لَقَدْ قَرَأْتُ بَيْنَ لَوْحَيْ المُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ»، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَوَجَدْتِيهِ، قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٣) [الحشر: ٧]».

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، رَأَى مُحْرِمًا عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: «ائْتِنِي بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَنْزِعُ [بِهَا] ثِيَابِي، فَقَرَأَ عَلَيْهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية» (٤).

وَرُوِيَ أَنَّ طَاوُسًا كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ:


(١) [سورة النحل، الآية: ٨٩].
(٢) [سورة الأنعام، الآية: ٣٨].
(٣) " الموافقات ": ٤/ ٢٤ و" جامع بيان العلم ": ٢/ ١٨٨.
(٤) " الموافقات ": ٤/ ٢٥ و" جامع بيان العلم ": ٢/ ١٨٩.