إلى قوله: توثيق (ضَعِيفٍ) وتضعيف (ثِقَةٍ) ولو كان مراده كما فهم المؤلف لقال: لم يجتمع اثنان على توثيق رَاوٍ ولا على تضعيفه (١).
ثَالِثاًً - إن الخلاف في محمد بن إسحاق ليس فيه تأييد لعبارة الذهبي بل هو وارد عليها مورد الاعتراض وأصل المسالة، أن صاحب "مسلم الثبوت " بعد آن ذكر عبارة الذهبي اعترض عليه الشارح بأن هذا التعميم غير صحيح، والاستقراء ليس تاماً فقد اختلفوا مثلاً في محمد بن إسحاق وذكر أقوال العلماء فيه بين تعديل وتجريح ثم قال:«فانظر فإن كان هو ثقة فقد اجتمع أكثر من اثنين على تضعيفه. وإن كان ضعيفاً فقد اجتمع أكثر من اثنين على توثيقه» ولكن المؤلف لم يعجبه فهم الشارح ولا فهم صاحب "المُسَلَّمِ " ولا مراد الذهبي نفسه، بل ساق ما قيل في ابن إسحاق تَأْكِيدًا، لما حاول فهمه من عبارة الذهبي، فانظر هل هو في الحقيقة لم يفهم عبارة الذهبي، ولم يفهم عبارة الشارح، ولم يفهم أن ما قيل في ابن إسحاق اعتراض على ما يُسْتَفَادُ من عموم عبارة الذهبي، أو هو فهم ذلك كله، لكنه تجاهله وَحَمَّلَ عبارة الذهبي عكس ما تحتمله ليصل من ذلك كله إلى تهوين أمر علماء الجرح والتعديل، وإفهام القارىء أنهم مضطربون متناقضون، وأنهم في أحكامهم على الرُوَاةِ يصدرون عن تباينهم في النزعات والمذاهب، وأن أي رَاوٍ وَثَّقَهُ أحد أئمة الحديث، هنالك من يُضَعِّفُهُ غالباً، فلسنا ملزمين بان نقبل حَدِيثًا اعتبر البخاري - مثلاً - حال رواته ووثَّقَهُم؟ أنظر في هذا وتأمله.
قَوَاعِدُ النَّقْدِ فِي السَّنَدِ وَالمَتْنِ:
وقال في [ص ٢٦٦] أيضاًً: «وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد ليس
(١) وهناك تفسير آخر لمراد الذهبي من تلك العبارة وهو أنه لم يقع الاتفاق على توثيق رَاوٍ حقه التضعيف بل الذي يقع هو أن يوثقه بعضهم ويضعفه بعضهم كما لا يتفقون على تضعيف رَاوٍ شأنه التوثيق، بل ربما يضعفه بعضهم ويوثقه آخرون. وقوله: «لم يجتمع اثنان» أي: لم يحصل اجتماع من علماء الجرح والتعديل ولا يريد من لفظ (اثنان) التقييد بل مراده مطلق الاجتماع والاتفاق كما يقولون: «هذا أمر لا يختلف فيه اثنان» أي: لا يُحَدِّث فيه اختلاف لا من اثنين ولا من أكثر. فالمراد هنا نفي مطلق الاختلاف. والمراد في عبارة الذهبي نفي مطلق الاجتماع على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة.