للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - الإِمَامُ مَالِكٍ:

(٩٣ - ١٧٩ هـ)

حَيَاتُهُ وَمَكَانَتُهُ العِلْمِيَّةُ:

هو أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة وَمُحَدِّثُهَا الأشهر، ولد بالمدينة سنة ٩٣ هـ. وذكر ابن الديبع الشيباني في مقدمة " تيسير الوصول " أن ولادته كانت سَنَةَ ٩٥، ونشأ بها وتوفي فيها عام ١٧٩ هـ عن ستة وثمانين سَنَةٍ، تلقى العلم عن ربيعة الرأي وأخذ عن كبار الفقهاء من التَّابِعِينَ، وسمع كثيراً من الزُّهْرِي، حتى ليعتبر من أشهر تلاميذه، كما سمع من نافع مولى ابن عمر واشتهر بالرواية عنه حتى أصبحت روايته تسمى في عُرْفِ بعض المُحَدِّثِينَ بالسلسلة الذهبية، وهي (مالك عن نافع عن ابن عمر)، وما زال دائباً في طلب العلم وتحصيله حتى أصبحت له الإمامة في الحجاز، وأطلق عليه عالم المدينة وإمام دار الهجرة، [وانتشر] (*) صِيتُهُ في الآفاق، فهرع إليه أهل العلم من مختلف بقاع الأرض، وكان يعقد للحديث مجلساً في مسجد النَّبِيِِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وقار وأدب وحشمة، متطيباً لابساً أحسن ثيابه، لا يرفع صوته فيه إجلالاً للرسول.

أُصُولُ مَذْهَبِهِ:

عرف مالك - رَحِمَهُ اللهُ - بالفقه والحديث معاً، وقد عرف باحتجاجه بالمرسل كأبي حنيفة، وقد أخرج من المراسيل عدداً في " موطئه "، وكانت أصول مذهبه هي الأصول المعتبرة لدى الأئمة: الكتاب وَالسُنَّةُ والإجماع والقياس، وزاد عليها شيئين: عمل أهل المدينة والمصالح المرسلة، أما هذه الأخيرة فقال: «قال بها أكثر الأئمة»، وأما عمل أهل المدينة فقد اعتبره حُجَّةً دالة على ما كان عليه النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعل أو حال، ولا يعتبر عملهم حُجَّةً إلا إذا كانوا مجمعين عليه متوارثين العمل به جيلاً بعد جيل حتى عهد الرسول الكريم، وهو يرى أنهم لا يلتزمون أمراً ويعملون به جميعاً إلا إذا كان أمراً مشروعاً عمل به الصحابة في عهد الرسول وأقرهم عليه ثم توارثه من بعدهم ودرجوا عليه.

وعمل أهل المدينة عنده أقوى من حديث الاَحاد، فإذا تعارض خبر الواحد


[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) [خطأ ورد في المطبوع (والنشر صيته في الآفاق) وإنما هي (وانتشر صيته في الآفاق) كما أثبتها].