للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ:

وقال في [ص ٢٦٥]: «وأكثر هؤلاء النُقَّاد - أي نُقَّادِ الحديث - عَدَّلُوا الصحابة كلهم إجمالاً وتفصيلاً، فلم يتعرضوا لأحد منهم بسوء، ولم ينسبوا لأحد منهم كَذِباً، وقليل منهم أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم». إلى أن قال: في الصحيفة التالية «وعلى كل فالذي جرى عليه العمل من أكثر نُقَّادِ الحديث - وخاصة المتأخرين - على أنهم عَدَّلُوا كل صحابي، ولم يرموا أحداً منهم بكذب، ولا وضع، وإنما جَرَّحُوا من بعدهم».

مِمَّا اتفق عليه التابعون، ومن بعدهم من جماهير المُسْلِمِينَ من أهل السُنّةِ وَالجَمَاعَةِ، ونُقَّادِ الحديث قاطبة تعديل الصحابة وتنزيههم عن الكذب والوضع، وَشَذَّ عن ذلك من ذكرنا من الخوارج والمعتزلة وَالشِيعَةِ، هذا هو الواقع والمعروف في المسألة.

ولكن المؤلف - لغرض في نفسه سبق التنبيه إليه - يريد أن يُشَكِّكَنَا في هذه الحقيقة، فزعم أَوَلاًً أن أكثر النُقَّادِ عَدَّلُوا الصحابة، مع أن النُقَّادَ (جميعاً) عَدَّلُوهُمْ، وزعم ثَانِياًً، أن قليلاً منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم، واستشهد بعبارة الغزالي، مع أن الذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نُقَّادِ الحديث، ولكنهم من ذوي الميول المعروفة في تاريخ الإسلام بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر.

قال الحافظ الذهبي: «فَأَمَّا الصَحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَبِسَاطُهُمْ مَطْوِيٌّ وَإِنْ جَرَى مَا جَرَى ... إِذْ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَقَبُولِ مَا نَقَلُوهُ العَمَلَ، وَبِهِ نَدِينُ اللهَ تَعَالَى» (١).

قال الحافظ ابن كثير: «وَالصَحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ عِنْدَ أَهْلِ السُنَّةِ وَالجَمَاعَةِ»، ثم قال: «وَقَوْلِ المُعْتَزِلَةِ: الصَحَابَةُ عُدُولٌ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا قَوْلٌ بَاطِلٌ [مَرْذُولٌ] وَمَرْدُودٌ».

ثم قال: «وَأَمَّا طَوَائِفُ الرَوَافِضِ وَجَهْلِهِمْ، وَقِلَّةَ عَقْلِهِمْ، وَدَعَاوِيهِمْ أَنَّ الصَحَابَةَ كَفَرُوا إِلاَّ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا - وَسَمَّوْهُمْ - فَهُوَ مِنَ الهَذَيَانِ بِلاَ دَلِيلٍ» (٢).


(١) رسالته " في الرُوَاة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم ": ص ٤.
(٢) " اختصار علوم الحديث ": ص ٢٢٠ - ٢٢٢.