" المسند " الذي أورد فيه نحو أربعين ألف حديث، منها عشرة آلاف مكررة، من مجموع سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفاً كان يحفظها، وطريقته في تأليفه أنه يجمع أحاديث كل صحابي في باب واحد، فما روي عن أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مثلاً يجمعه في باب واحد، رغم اختلاف موضوعات الأحاديث.
وقد اختلف العلماء في درجة السند.
فقال قوم - منهم أبو موسى المديني - إنه كله حُجَّةٌ، وما فيه إلا صحيح، أخذاً من قول الإمام في " مسنده ": «مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْجِعُوَا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ».
وقال قوم:«إِنَّ فِيهِ الصَّحِيحَ وَالضَّعِيِفَ وَالمَوْضُوعَ» ومِمَّنْ ذهب إلى ذلك ابن الجوزي فقد ذكر في " موضوعاته " تسعة وعشرين حَدِيثًا من " مسند " الإمام، وحكم عليها بالوضع، وزاد عليها الحافظ العراقي تسعة أحاديث حكم عليها بالوضع أيضاًً، وَرَدَّ على من قال: إن أحمد شرط الصحيح في " مسنده "، وبين أن المراد من قول الإمام السابق:«إِنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، لاَ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ حُجَّةٌ».
ووقف قوم موقفاً وسطاً بأن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من الحسن وَمِمَّنْ ذهب إلى ذلك، الذَّهَبِيُّ، وابن حجر، وابن تيمية، والسيوطي. وتعقبوا ابن الجوزي والعراقي فيما زعماه من وجود أحاديث موضوعة فذكروا لها شواهد، ودافعوا عنها دفاعاً فيه قسط كبير من التَمَحُّلِ، حتى لم يسع ابن حجر إلا بأن يعترف أخيراً بأن في " المسند " ثلاثة أو أربعة أحاديث لا أصل لها، واعتذر عنه بأنه مِمَّا أوصى الإمام بضربه من " مسنده " قبل أن يَتَوَفَّى، فترك سهواً أو ضرب وكتب، من تحت الضرب.
وإذا عرفت أن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - يتساهل في أحاديث الفضائل، وهو في الجرح والتعديل من المعتدلين، وأن ولده عبد الله وراويه أبا بكر القطيعي زَادَا في " المسند " زيادات منكرة، علمت مأتى " مسند " الإمام، وعلمت أن الرأي ما قال به ابن الجوزي والعراقي، وهما من أمهر النقدة في الحديث الذين لا يقتصرون في نقد الحديث في السند، بل يتعديانه إلى المتن، وأن دفاع ابن حجر والسيوطي ليس