ثَانِياًً: أن الناس خدعوا بصدقه فتلقوا كل أحاديثه الني سمعوها عنه على أنها صحيحة.
ثالثاً: أن العبارة التي نقلها عن " صحيح مسلم " إنما هي في عبد الله بن المبارك. والأستاذ المولف مخطىء في هذه الأمور الثلاثة كل الخطأ.
١ - أما أن عبد الله بن المبارك كان سليم النية يُحَدِّث بكل ما سمع، فهذا ما لا يتفق مع الحق في شيء، فقد كان ابن المبارك من مشاهير أئمة عصره الذين عنوا بنقد الرجال نقداً شديداً، وهذا مسلم - رَحِمَهُ اللهُ - يذكرِ لنا في " مقدمة صحيحه " عدة أمثلة عن نقده للرجال، فقد ذكر بسنده إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء: «إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ»؟ قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له، هذا من حديث شهاب بن خِراش فقال: ثقة، عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة، قال: قلت: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف».
وأخرج مسلم في " المقدمة " أيضاً بسنده إلى عَلِيَّ بْنَ شَقِيقٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهُ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ:«دَعُوا حَدِيثَ عَمْرُو بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَلَفَ».
فهذه الأمثلة وكثيرة غيرها ذكرها مسلم في " مقدمة صحيحه " تدل على أن عبد الله بن المبارك كان نَقَّاداً للرجال، مَعْنِيًّا بأسانيد الأحاديث.
وأصرح من ذلك ما رواه مسلم أيضاًَ بسنده إلى الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ، يَقُولُ:«بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ» يَعْنِي الإِسْنَادَ.