وأشار إلى عبد الملك، وسترى في بحث الزُّهْرِي أنَّ عبد الملك كان حريصاً على إرشاد العلماء وطلب العلم إلى تَتَبُّعِ السُنَنِ والآثار، حتى لقد كان للزُهري وهو يومئذ حَدَثٌ شَابٌّ:«اِئْتِ الأَنْصَارَ فَإِنَّكَ تَجِدُ عِنْدَهُمْ عِلْمًا كَثِيرًا»، ولما جاء الناس لمبايعته بالخلافة كان يتلو كتاب الله على مصباح ضئيل، وَقَلَّ مثل ذلك في الوليد بن عبد الملك، فلقد أنشأت في عهده أكثر المساجد المعروفة اليوم، حتى كان عصره للمسلمين عصراً عمرانياً، وَقُلْ مثل ذلك في بقية الخلفاء ما عدا يزيد بن معاوية، فلقد كان على ما يظهر مُنْحَرِفاً بعض الانحراف عن خُلُقِ الشريعة في مسلكه الشخصي، ومع ذلك فقد نحله صنائع العباسيِّين وَرُوَاةُ الشِّيعَة كثير من الحوادث التي لم تثبت لدى النقد، ومثل ذلك يقال في الوليد الذي افْتَرَوْا عليه أنه رمى كتاب الله وَمَزَّقَهُ، فَإِنَّ مثل هذه الأخبار لا يشك من يطالعها بروح الإنصاف أنها مدسوسة مكذوبة.
والتاريخ ليذكر بكثير من الإعجاب فتوحات الأُمَوِيِّينَ، حتى إنَّ رُقْعَةَ الإسلام في العصر العباسي لم تزد كثيراً عما كانت عليه في العصر الأموي، والفضل في ذلك للأمويِّين حيث كان أبناء خلفائهم على رأس الجيوش الفاتحة الغازية في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر شريعته، فلماذا يعاديهم العلماء؟ ولماذا يَتَّهِمُونَ هؤلاء بأنهم لم يكونوا يفهمون الإسلام؟ ولم يكونوا على شيء من حبه والتفاني فيه؟
فما أقامه المستشرق من نظرية الوضع في الحديث، بناء على اشتداد العداء بين الأُمَوِيِّينَ والعلماء الأتقياء لا أساس له من الصِحَّةِ، نعم! لقد كان العِدَاءُ بينهم وبين زعماء الخوراج والعَلَوِيِّينَ قوياً مُسْتَحُكْمًا، ولكن هؤلاء هُمْ غير العلماء الذين نهضوا لجمع الحديث وتدوينه وروايته ونقده، كسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وَعُبَيْدَ اللهِ بن عبد الله بن عُتبة، وسالم مولى عبد الله بن عمر، ونافع مولى ابن عمر، وسُليمان بن يَسَار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، والإمام الزُّهْرِي، وعطاء، والشعبي، وعلقمة، والحسن البصري،، وأضرابهم من أئمة الحديث، فهؤلاء لم يصطدموا مع الأُمَوِيِّينَ في معارك، ولا أُثِرَ عنهم أنهم تَصَدَّوْا لخصومة الأُمَوِيِّينَ، اللهم إلاَّ ما كان من سعيد بن المسيب