للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُنَّةُ راجعة في معناها إلى الكتاب فهي تفصيل مجمله وبيان مشكله وبسط مختصره، وذلك لأنها بيان له، وهو الذي دَلَّ عليه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (١) فلا تجد في السُنَّةِ أمراً إلا والقرآن قد دَلَّ على معنَاه دلالة إجمالية أو تفصيلية.

وأيضاًً فكل ما دَلَّ على أن القرآن هو كلي الشريعة وينبوع لها فهو دليل على ذلك، لأن الله تعالى قال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (٢) وفسرت عائشة ذلك بِأَنَّ خُلُقَهُ القراَن واقتصرت في خُلُقِهِ على ذلك، فَدَلَّ على أن قوله وفعله وإقراره راجع إلى القرآن، لأن الخُلُقَ محصور في هذه الأشياء، ولأن الله جعل القراَن تِبْيَاناً لكل شيء، فيلزم من ذلك أن تكون السُنَّةُ حاصلة فيه في الجملة لأن الأمر والنهي أول ما في الكتاب، ومثله قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (٣) وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٤) وهوَ يريد إنزال القرآن.

فَالسُنَّةُ إذن في محصول الأمر بيان لما فيه، وذلك معنى كونها راجعة إليه، وأيضاًً فالاستقراء التام دَلَّ على ذلك (٥).

وأجابوا عن حجج الفريق الأول بما خلاصته: إننا نَدَّعِي أَنَّ السُنَّةَ مُبَيِّنَةٌ للكتاب، وما ذكرتموه من الآيات التي توجب طاعة الرسول مع طاعة الله يقصد منها طاعة الرسول في بيانه وشرحه، فمن عمل وفق بيان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد أطاع الله فيما أراد بكلامه، وأطاع رسوله في مقتضى بيانه، ولو عمل على مخالفة البيان عصى الله تعالى في عمله على مخالفة البيان، إذ عمل خلاف ما أراد


(١) [سورة النحل، الآية: ٤٤].
(٢) [سورة القلم، الآية: ٤].
(٣) [سورة الأنعام، الآية: ٣٨].
(٤) [سورة المائدة، الآية: ٣].
(٥) " الموافقات " للشاطبي: ٤/ ١٢، ١٣.