زيارة القبور (١) فقال: ثبت في " الصَحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:«لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ ... الخ» وهو في " الصَحِيحَيْنِ " من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وقد رُوِيَ من طرق أخرى، وهو حديث مستفيض متلقى بالقبول، أجمع أهل العلم عَلَى صحته وتلقيه بالقبول والتصديق، واتفق علماء المُسْلِمِينَ على استحباب السفر إلي بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه، وكان ابن عمر يأتي إليه فيصلي» اهـ.
سَادِساًً: إن هذا الحديث رواه الزُّهْرِي عن شيخه سعيد بن المسيب، ومن المعلوم أن سعيداً ما كان ليسكت عن الزُّهْرِي لو أنه وضع هذا الحديث على لسانه إرضاء لأهواء الأُمَوِيِّينَ، وهو الذي أُوذِيَ من قِبَلِهِمْ وضُرِبَ، وقد توفي سعيد (سَنَةَ ٩٣) من الهجرة أي بعد مقتل ابن الزبير بِعِشْرِينَ سَنَةٍ، فكيف سكت سعيد عن هذا كل هذه المدة، وقد كان جبلاً شامخاً من جبال القوة في الحق لا يبالي في الله لومة لائم؟.
سَابِعاًً: لو فرضنا أَنَّ الزُّهْرِي وضع هذا الحديث إرضاء لعبد الملك، فلِمِ لَمْ يُصَرِّحْ فيه بفضيلة قبة الصخرة وقد أراد عبد الملك أن يحج الناس إليها؟ كل ما في هذا الحديث وما صَحَّحُوهُ من أحاديث بيت المقدس فضل الصلاة فيه وفضل زيارته غير مقيدة بوقت معين، وهذا شيء أثبته القرآن جملة، فأين هذا مِمَّا يريده عبد الملك من الحج إلى القبة بدلاً من الكعبة في أيام الحج.
ثَامِناًً: إن حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ» الذي صَحَّحَهُ العلماء لا يربط بما ورد في فضائل بيت المقدس والصخرة أو غيرها من أحاديث مكذوبة ليس للزهري رواية فيها، وقد نقدها العلماء جميعاً، حتى قالوا: كل حديث في الصخرة فهو كذب. وقالوا: لَمْ يَصِحَّ في فضل بيت المقدس إلا ثلاثة أحاديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ» وحديث: «سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ، قَالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ فَقَالَ: المَسْجِدُ الأَقْصَى». وحديث:«إِنَّ الصَلاَةَ فِيهِ تَعْدِلُ سَبْعَمِائَةِ صَلاَةٍ فِي غَيْرِهِ».
(١) كان هنا في الطبعة الأولى: (وَهُوَ مِمَّنْ يُنْكِرُ زِيَارَةَ القُبُورِ) ثم عدلت، لأنه هكذا حقيقة رأيه، كما يظهر من كتبه ومنها: "الجواب الباهر " وغيره.