للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفضاعته، كيف وقد كان حرصهم شديداً على أن ينقلوا لنا كل ما يتصل به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى مشيه وقعوده، ونومه، ولباسه، وعدد الشعرات البيض في رأسه الشريف؟.

وأما الحديث المذكور فقد اتفقت كُتُبُ السُنَّة الصحيحة المعتمدة على أن الرسول إنما قاله حين أمرهم بتبليغ حديثه إلى من بعدهم، فقد أخرج " البخاري " في باب ما ذكر عن بني إسرائيل من طريق عبد الله بن عمرو أن النَّبِيّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ (١)، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وروى مسلم من طريق أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وروى الترمذي عن ابن عباس عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى الْغَافِقِيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَسَتَرْجِعُونَ إِلَى قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْحَدِيثَ عَنِّي، فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ حِفْظَ عَنِّي شَيْئًا [فَلْيُحَدِّثْهُ]» (٢) ورواه غيرهم أيضاًً بهذا المعنى. وظاهر من هذه الروايات أن النَّبِيَّ وقد علم أن الإسلام سينتشر وسيدخل فيه أقوام من أجناس مختلفة، نَبَّهَ بصورة قاطعة على وجوب التَحَرِّي في الحديث عنه، وَتَجَنُّبِ الكذب عليه بما لم يقله، ووجه الخطاب في ذلك إلى صحابته، لأنهم هم المثبَلِّغُونَ إلى أُمَّتِهِ من بعده، وهم شهداء نبوته ورسالته: وليس في هذه الروايات إشارة قط إلى أن هذا الحديث إنما قيل لوقوع تزوير على النَّبِيّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وهنالك روايتان تذكران للحديث سبباً غير ما ذكرته الروايات السابقة:


(١) أي في أخبار الأمم السابقة مِمَّا لا يعارض ما جاء في الكتاب وَالسُنَّةِ الصحيحة.
(٢) ورواه الطحاوي في " مشكل الآثار ": ١/ ١٧١ بقريب من هذه الألفاظ، وفيه يذكر أبو موسى الغافقي أن الرسول - عَلَيْهِ السَلاَمُ - قال ذلك في حَجَّةِ الوَدَاعِ.