للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على تلك الأحاديث، ومن استغراب بعض الناس! «كثرة»، أحاديثه أول الأمر، فقد اعترفوا له أخيراً أنه أحفظهم للحديث وَأَرْوَاهُمْ لَهُ، ولم يَشُكُّوا أبداً في صدقه وفي أحاديثه.

ونذكر هنا على سبيل المثال حادثتين وقعتا له مع من استغرب بعض أحاديثه من الصحابة، وقد ذكرنا من قبل جوابه لعائشة أم المؤمنين جواباً أقنعها وأرضاها.

١ - أخرج ابن سعد في " طبقاته " (١) عن الوليد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حَدَّثَ عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديث: «مَنْ شَهِدَ جَنَازَةً ... فَلَهُ قِيرَاطٌ» فقال ابن عمر: «انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! فَإِنَّكَ تُكْثِرُ الحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَىَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَ: «أَخْبِرِيهِ كَيْفَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ». فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! وَالْلَّهِ مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَرْسُ الْوَدِيِّ وَلاَ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَعْلَمُنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَسُولِ الْلَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ.

٢ - وأخرج ابن كثير في " تاريخه " (٢) عَنْ أَبِي اليسر بْنِ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ مَا نَدْرِي هَذَا الْيَمَانِيُّ (أَبَا هُرَيْرَةَ) أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ؟ أَمْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ مَا لَمْ يَقُلْ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: «وَاللَّهِ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَعَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ، إِنَّا كُنَّا قَوْمًا أَغْنِيَاءَ، لَنَا [بُيُوتَاتٌ] وَأَهْلُونَ، وَكُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ ثُمَّ نَرْجِعُ، وَكَانَ هُوَ (أَبُو هُرَيْرَةَ) مِسْكِينًا لاَ مَالَ لَهُ وَلاَ أَهْلَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ يَدُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، فَمَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ، وَسَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ»، قال ابن كثير: «وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بْنحْوِهِ». اهـ.


(١) ٧/ ٣٦٣، طبع بيروت.
(٢) ٨/ ١٠٩.