للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن أحداً قط لم يصف أبا هريرة بأنه مهذار، ونحن نَتَحَدَّاهُ بأن يأتينا برواية صحيحة في هذا الشأن.

وما زعمه من أن عائشة وصفت أبا هريرة بذلك في قضية «المهراس» فقد قدمنا الكلام عليه في مناقشتنا لأحمد أمين (١) ومنه يَتَبَيَّنُ أن عائشة لم تَرُدَّ على أبي هريرة في قضية المهراس فضلاً عن أن تصفه بالمهذار، وإنما الذي - رَدَّ عليه هو قين الأشجعي من أصحاب عبد الله بن مسعود، ومع ذلك فلم يَرِدْ على لسانه بأنه مهذار!.

وعلى فرض صحة هذا النقل عن عائشة - وهذا ما نَتَحَدَّى أَبَا رَيَّةَ بإثباته - فإنه شاهد واحد فكيف ادَّعَى أن المُؤَرِّخِينَ جميعاً أجمعوا على وصفه بالهذر، هل عائشة من المُؤَرِّخِينَ؟ وهل هي جميع المُؤَرِّخِينَ؟ قل يا أَبَا رَيَّةَ وأنت الذي قلتَ في كتابك: «لعنة الله على الكَاذِبِينَ متعمِّدين أو غير متعمِّدين»؟

هذا وما نزال نَتَحَدَّاكَ بأن تأتينا بصحابي أو تابعي أو مُؤَرِّخٍ موثوق وصف أبا هريرة بالهذر، وإلا فأنت من الكَاذِبِينَ الذين يستهينون بعقول الناس! وأما مزاحه فهذا مِمَّا عرف به، وهو خُلُقٌ أكرمه الله به وَحَبَّبَهُ به إلى الناس جميعاً.

وما كان المزاح في دين الله مكروهاً، وإلا كانت الثقالة وغلاظة الحس والروح أمراً محبوباً في الإسلام، وحاشا لله ولرسوله أن يستحبا ذلك وقد قال الله لرسوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (٢).

وما كان المزاح خُلُقاً معيباً عند كرام الناس، وقد كان رسول الله يمازح أصحابه، وكان الصحابة يمزحون، وكان فيهم مشهورون بالمزاح البريء في حدود الشريعة والأخلاق، ومنهم أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

كان في إمارته على المدينة خلفاً لمروان يركب الحمار ويقول: «خَلُّوا الطَرِيقَ لِلأَمِيرِ»! .. فيا ما أحلاه من دعابة ومُزَاحٍ! ..


(١) انظر ص ٣٠٢ من هذا الكتاب.
(٢) [سورة آل عمران، الآية: ١٥٩].